كانت حروب فرنسا الدينية صراعات دموية في بين البروتستانت والروم الكاثوليك بين 1562 و 1598 كان مسرحها مملكة فرنسا . أصبحت البروتستانتية منذ منتصف القرن السادس عشر أمرا واقعا في فرنسا وأوروبا لا يمكن إنكاره، واقفة في وجه التضييق واضطهاد الكاثوليك، بل إن البروتستانت كثيرا ما تَحَدوا السلطة المحلية القائمة منتقدين بابا روما والحكام المدافعين عنه؛ مثلما فعل البروتستانت أنصار كالفن الذين داع سيطهم في فرنسا ومناطق اوروبية أخرى.
بعد نشرهم
"قضية الإعلان ضد القداس" على أبواب إقامة الملك الفرنسي "فرانسوا
الأول" في 17 أكتوبر 1534 م، والذي ساهم في إشعال فتيل
الصراع الديني في فرنسا بإحراق 40 بروتستانتيا أمام الملك، ثم أمر بذبح
3000 من المزارعين العزل في سفوح جبال الألب، فقط
لتخليهم عن
الطقوس الكاثوليكية في كنائسهم. غير أن تصاعد موجة الاضطرابات دفعت أوربا
إلى عقد مؤتمر "أغسبرغ" سنة 1555 م، والذي أوقف الصراع المفتوح بألمانيا
على الأقل، بعدما نص صراحة على أن يختار كل أمير من أمراء ألمانيا نوع
المذهب الذي يريده، مع ضرورة تسليم الكنائس البروتستانتية
لممتلكاتها للكاثوليك. لكن هذا الصلح لم يجلب سوى
هدنة مؤقتة بين
الطرفين )البروتستانت والكاثوليك( دون أن تخمد نار الحقد والثأر.
عادت الصراعات
الدينية إلى فرنسا من جديد سنة 1562 م في شكل حروب متتالية
عددها 8 ، كان
أكثرها بشاعة ما عرف ب"مذبحة سان بارثولوميو" سنة 1572 م، بعدما تزايدت
أعداد البروتستانت ما أشعر الملك "شارل التاسع" ووالدته بالخوف، فأصدر
يوم 24 غشت من نفس السنة أوامره للجنود والأهالي
المتطوعين لقتل كل بروتستانتي تقع أعينهم
عليه؛ وفي
واحدة من أكثر الليالي الباريسية فزعا.
خرج العديد من
الفرنسيين بمباركه القساوسة إلى الشوارع واقتحموا البيوت لقتل كل بروتستانتي
يقابلهم؛ رجالا ونساء وأطفالا، فكانت الحصيلة ما يقارب 30 ألف شخص، وعن ذلك
يقول السفير الإسباني بفرنسا: "إنهم يقتلونهم جميعا، وأنا أكتب هذا، إنهم
يعرونهم... ولا يعفون عن أحد حتى الأطفال. تبارك
الله".
لم يكن تاريخ فرنسا خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر سوى سلسلة طويلة من المجازر البشرية، لقيت مساندة قوية من رجال الدين الكاثوليك، حيث أرسل ممثل البابا في فرنسا خطابا إلى روما يعبر فيه عن فرحته بهذه المجازر قائلا: "أهنئ قداسة البابا من أعماق قلبي لأن الله جل جلاله شاء في مستهل بابويته أن يوجه شؤون هذه المملكة توجيها غاية في التوفيق والنبل، وأن بسط هدايته على الملك والملكة الأم، حتى يستأصل جذور هذا الوباء بكثير من الحكمة". غير أن هذا العنف الكبير جعل البروتستانت يحظون بتعاطف ودعم آخر من صفوف أبناء الشعب، بمن فيهم بعض النبلاء، واستطاعوا وتكوين طائفة الهيغونوت على الطريقة الكالفينية، مشكلين فريقا دينيا وسياسيا دخل في صراع مفتوح مع كاثوليك فرنسا راح ضحيته مئات الآلاف. لكن مع مجيء الملك "هنري الرابع" تغيرت الأمور نسبيا، فبحكم تعاطفه مع البروتستانت أصدر مرسوم "نانت" سنة 1598 م القاضي بحرية إقامة الشعائر الدينية في كافة أنحاء فرنسا باستثناء باريس، ومنح الحق في دخول البروتستانت مجال الوظائف.
تعددت آراء
الدارسين في تحديد تاريخ نهضة أوروبا؛ فمنهم من ربط بداية النهضة بسقوط
القسطنطينية 1453 م، ومنهم من ربطها
بالحركة البروتستانتية 1513 م وما تلاها من
تمرد على سلطة الكنيسة، وعلى الرغم من اختلاف الدارسين في تحديد الإرهاصات الأولى
للنهضة الأوروبية، فإن المراحل التاريخية التي شهدتها، تؤكد أن المجتمع الأوروبي عاش
فترات تاريخية شهد فيها تحولات ولحظات انتقال منذ نهضته الأولى التي تعود إلى القرن
الثاني عشر، ثم النهضة الثانية التي قامت في القرن السادس عشر، إلى مرحلة الأنوار في
القرن الثامن عشر، والتي تلتها مرحلة الحداثة التي كان إطارها الزمني القرن التاسع عشر،
لذلك يصح القول إن المجتمع الأوروبي شهد عصورا متعددة المستويات؛ فمن عصور التخلف
إلى عصور التقدم إلى ما هو أكثر تقدما .
لقد أسهمت
مجموعة من العوامل الدينية والفكرية والعلمية في هذه التحولات، كان من أهمها،
الثورة الدينية والنزعة الإنسانية التي نادى بها عدد كبير من المفكرين والفلاسفة .
وعلى هذا
الأساس، أدى تلازم العقل والعلم إلى ابتعاد المجتمع الأوروبي عن الخرافات والأساطير
في تفسير مجريات الحياة كما ظهر منظور جديد للإنسان، إذ تغيرت رؤية الإنسان
إلى العالم وإلى نفسه وإلى الدين كذلك.
بتصرفن من محاضرات الأستاذ محمد الكرادي وحدة النهضة الأوروبية كلية الأداب و علوم انسانية جامعة ابن طفيل القنيطرة المغرب.