ظهرت ديانة برغواطة نتيجة للاضطرابات والثورات التي عرفها المغرب الأقصى في القرن الثاني الهجري، فقد قامت مجموعة من الكيانات، من بينها البرغواطيون الذين تمكنوا من السيطرة والصمود والحفاظ على وجودهم أكثر من أربعة قرون في منطقة تامسنا. واسست إمارة برغواطة ديانة محلية تبين فتاوة الاسلام في المغرب و كيف استوعبه المغاربة في القرن الثاني .
الحقيقة أن المصدرين الرئيسيين ل الروايات التي تحدثا عن ديانة برغواطة و نقل عنهما القدامى والمحدثون هما ابن حوقل والبكري. الأول هو شاهد عيان زار المنطقة في منتصف القرن الرابع الهجري، وسجل أخبار عقيدتهم ووصف طباعهم. أما الثاني الذي عاصر الإمارة في سنينها الأخيرة فقد استمد معلوماته من سفير البرغواطيين إلى الحكم المستنصر سنة 352ه ويدعى أبو صالح زمور بن موسی. ولم يزد من أتي من بعدهما من المؤرخين شيئا كبيرا. و ا ننسى خلفية هذين المصدرين فالأول شيعي اسماعيلية تابع للدولة الفاطمية و الثاني سني تابع لقرطبة. و بهذا فما نسرده هو ات من روايات لمصدرين ربما كانوا مبالغين و متحاملين في وصفهم نظرا لاختلاف مذهب البرغواطيين عنهم وأن مؤسسيه كانوا من الخوارج الصفرية وبهذا فهو قد لاتعكس حقيقة أو طبيعة النحلة البرغواطية. فكيف كانت ديانة برغواطة في أعين هذه المصادر ؟ و كيف أوله المؤرخون و الباحثون ؟ وهل تعكس الروايات حقيقة هذه الديانة ؟
ديانة برغواطة حسب روايات البكري و ابن حوقل
تكاد المصادر المعاصرة لبرغواطة (بن حوقل و البكري) تجمع على أن صالح بن طريق ادعي النبوة . وبأنه تلقى من الله قرآنا باللغة الأمازيغية، كما ادعى أنه يوحى إليه في كل خطبة ، ومن شك في ذلك فهو كافر. وقد وضع صالح قرآنا باللغة الأمازيغية يقرأونه في صلواتهم ويتلونه في مساجهم ويتالف القرآنه من ثمانين سورة أكثرها منسوبة لأسماء الأنبياء وأولها سورة أيوب وأخرها سورة يونس. ووضع صالح على جانب القرآن مجموعة من التعاليم منها عشر صلوات، خمسا من في النهار وخمسا في الليل، وبعض صلاتهم إيماء لا سجود فيها لكنهم يسجدون في آخر ركعة ثلاث سجدات متصلة وبعضها على كيفية صلاة المسلمين.
وعند ابتداء الصلاة يضع الفرد إحدى يديه على الأخرى ويقول بالأمازيغية (أبتستمن یاکش) وتفسيره باسم الله، وأثناء سجودهم يرفعون جباههم وأيديهم على الأرض مقدار نصف شبر ويقولون (ماقرابكش) وتفسيره الكبير الله, ويضعون أيديهم مبسوطة في الأرض طوال ما يستشهدون، ويقرأون نصف قرآنهم في وقوفهم ونصفه في ركوعهم، ويقولون في تسبيحهم بالأمازيغية لله فوقنا لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء ، ويصلون صلاة الجمعة يوم الخميس وقت الضحى، ويصومون رجب ويفطرون في رمضان.
أما فيما يخص بالتعاليم ، فقد أباح لهم الزواج بالنساء دون حدود، وأباح لهم الطلاق والعودة على المطلقة متى شاؤوا، وشرع لهم قتل السارق بإقرار والبيئة، كما حرم رأس كل حيوان وحرم ذبح الديك لأنهم يعتمدون عليه في معرفة أوقات الصلاة، والسمك لا يؤكل إلا بعد الذبح، والبيض عندهم حرام والدجاج مكروه، وكان صالح يبصقعلى أيدي أتباعه فيلعقون هذا البصاق تبركا ويحملونه إلى مرضاهم ليشفيهم.
حقيقة ديانة برغواطة حسب الباحثين
ان أدعاءات صالح النبوة ودعوته الديانة جديدة كانت محط نقاشات وخلافات في الرأي بين مجموعة من المهتمين الذين يبحثون عن حقيقة هذه الديانة. فالمؤرخ دي سلان ذهب إلى أن إله الأمازيغ المدعو ياکش هو إله اليونان، ودل على رأيه بأن طقوس عبادة إله الخمر والمجون عند اليونان - باخوس - كانت منتشرة في وسط المغرب، وأكد المستشرق الهولندي دوزي هذا الرأي. في حين پري جورج مارسي أن باكش - إله برغواطة- هو إله المسيحيين، وأنه المسيح عيسى.
أما ناحوم سلوش يرى أن دولة برغواطة كانت يهودية ويستند على بعض المؤثرات اليهودية الموجودة في هذه الديانة مثل استعمال پاكش التي يرجعانها إلى أحد الأنبياء اليهود، ومثل استعمال الشعر على شكل ضفائر باعتبارها عادة متبعة عند پهود بولندا واليمن. يضاف على ذلك اهتمام البرغواطيين بموسى وتقديمه على عيسي، إلى جانب هاته الآراء هناك عدد من الدراسات أشارت إلى الأصول الإسلامية لهذه الديانة، ولكنه إسلام مشوه طبع بطابع أمازيغي محلي، حيث شكك سعد زغلول في الدعاء صالح النبوة، وأشار إلى أن اتهامه وقومه بالانحراف مبالغة من الكتاب الذين يخدمون أغراضا مذهبية. ويرجعها العروي إلى الأيديولوجية الشيعية. في حين أن إبراهيم حركات يرى أن غرب المغرب لم يستطيعوا فهم الإسلام بالطريقة الصحيحة. لذلك أنشأوا مذهبا خاصا بهم، بعض أصوله إسلامية وأكثرها مما تأثروا فيه بمؤثرات وثنية.
