تأثير الطاعون الأسود على بلاد المغرب في العصر الوسيط

الطاعون الأسود بلاد المغرب العصر الوسيط التأثير الديموغرافي ابن خلدون الإحصائيات التاريخية المجتمع المريني الوباء العام التأريخ الإسلامي القرن الثامن الهجري الخسائر البشرية تأثير الطاعون الأسود على بلاد المغرب في العصر الوسيط ما هو الطاعون الأسود الطاعون في العصر الأموي pdf الطاعون في العصر الأموي الطاعون الأسود في أوروبا


يستعرض هذا المقال تأثير الطاعون الأسود على بلاد المغرب في العصر الوسيط، مسلطًا الضوء على التغييرات الديموغرافية والاجتماعية الكبيرة التي نجمت عن هذا الوباء المدمرفي القرن الرابع عشر الميلادي (الثامن الهجري). باستخدام مصادر تاريخية متنوعة مثل ابن خلدون وابن خاتمة، نناقش كيف أدى الطاعون إلى تناقص كبير في عدد السكان، وتأثيره على العمران والدولة المرينية. رغم غياب الإحصائيات الدقيقة، فإن النصوص التاريخية تبرز حجم الخسائر البشرية والاضطرابات الاجتماعية التي خلفها الوباء، مما أسفر عن تدهور الاقتصاد وضعف الدولة. يقدم المقال مقارنة بين تأثير الطاعون في المغرب وبين مناطق أخرى في الغرب الإسلامي مثل تونس وتلمسان وبلنسية، مما يعزز الفهم العام للأثر المدمر لهذا الوباء في المغرب الوسيط. وهو مقتطف من محاضرة الأستاذ حميد اجميلي. تاريخ الغرب الإسلامي المرابطون والموحدون والمرينيون.جامعة بن طفيل. كلية الأداب و العلوم الانسانية. القنيطرة.


يعاني الباحث عند وقوفه على حادث الطاعون الأسود في بلاد الغرب الإسلامي عموما، من شبه غياب كلي للإحصائيات التي تهم حجم الخسائر البشرية، ذلك أن جل ما نصادفه في المصادر مجرد عبارات انطباعية مثل "تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل"، " الطاعون الجارف" "الوباء العام"، "الطاعون الأسود" ، " الوباء الذي عم المسكونة شرقا وغربا". وغياب الأرقام قد يحرم الباحثين من الوقوف على أهم لحظة تاريخية في القرن الثامن الهجري، بغية فهم أهم التحولات الديموغرافية التي أصابت المجتمع المريني، وما يؤشر على فداحة الخسائر البشرية أن الوباء كان عاما، ونعت بنعوت تعبر عن قوته مثل "الأسود"، "الجارف"، "العام"، وهي تحمل دلالات معبرة. وإذا كانت المصادر لا تحصى عدد الموتى، فإنها أشارت إلى موت بعض أصناف الناس من العلماء والعمال والفقهاء.. فعلى سبيل المثال توفي "عبد الله الرندي" و"يحيى بن يحيى بن مليل" الذي كان والي الخراج في دولة بني مرين، ومحمد بن أحمد بن خميس "الأنصاري إضافة إلى وفاة "والدة ابن بطوطة" "وأسرة سنان السوسية كما توفي "محمد بن عبد الله ابن عبد النور الندرومي القادم بالوباء الجارف بتونس سنة 749هـ إلى غير ذلك من الشخصيات التي حظيت بالتدوين. وهذا ما دفع أحد الباحثين في الموضوع إلى القول بأنه لا نتوفر ولو بمعطى إحصائي واحد ومن خلال تتبعنا لحدث الطاعون في كتاب ألف سنة من الوفيات وجدنا بعض أسماء العلماء والصلحاء الذين ماتوا بسببه :

بعض أسماء العلماء والصلحاء الذين ماتوا بسبب الطاعون الأسود الطاعون الاسود العلماء العزاب الذين آثروا العلم الطعن في العلماء الفوزان العلماء الذين ماتوا في السجن كتاب ألف سنة من الوفيات





لا شك أنه من خلال هذه المعطيات الشحيحة يستحيل علينا الظفر بالنتائج الديموغرافية لهذا الوباء، وهذا ما جعل أحد الدارسين يقر بصعوبة دراسة الطاعون الأسود، ومن ثم صعوبة تلمس عدد الخسائر البشرية. هذا وقد قدم ابن خلدون نصا في غاية الأهمية حيث وصف بدقة العواقب الخطيرة التي نجمت عن هذا الوباء بالمغرب فقال:" نزل شرقا وغربا في منتصف المائة الثامنة من الطاعون الجارف، الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها، وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص من ظلالها وقل من حدها وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أموالها. وانتقص عمران الأرض بانتقاص البشر، فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن، وكأن بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب...، وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض.... وإذا تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث، فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنحل التي تبدلت لأهلها...".






هكذا يقدم ابن خلدون نظرة عامة وقاتمة عن أحوال المغرب، بل والمشرق أيضا، عن عدد السكان الذي تناقص بشكل كبير، وأدى إلى تدهور العمران، وضعف الدول وسقوطها. وكان من ذلك تراجع الدولة المرينية بالمغرب الأقصى، وإن كان ذلك لم يظهر بشكل واضح إلا بعد وفاة أبي عنان وبناء على ذلك. إن هدفنا هنا يتمثل في محاولة الوقوف على أهم الإشارات التي تحيل على قوة تأثير هذا الوباء على الساكنة، وكذا عقد مقارنة بين المغرب الأقصى وبين بعض مدن بلدان الغرب الإسلامي الأخرى. فمن خلال ما تقدم نطرح السؤال عن السبب في قلة المعطيات الخاصة بحجم الخسائر البشرية هل هي كما قال أحد الدارسين أن المغاربة ألفوا الموت بفعل توالي دورة الطاعون، فضلا عن الحضور القوي للحروب والفتن وباقي الجوائح الأخرى، التي كانت تعصف بعدد كبير من الناس؟ أم يرجع الأمر إلى ذهنية المؤرخين، الذين ظلوا حبيسي الحدث السياسي فقط؟


يتعذر معرفة حجم النزيف الديموغرافي الذي أحدثه الوباء في غياب الإحصائيات وعدم معرفة العدد الإجمالي للسكان؛ فالدراسات التي أنجزت حول تاريخ المغرب لم تشر إلى تقدير عدد السكان. فقبل كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان لا يوجد مصدر حاول الوقوف على تقدير عددهم ويظل كتاب Histoire Du Maroc لعدد من المؤلفين المحاولة الوحيدة - حسب أحد الباحثين التي حاولت تقدير الخسائر البشرية التي خلفها الطاعون الأسود بالمغرب، إذ تتراوح نسبة فقدان السكان ما بين (2 على (3) و (1 على6). مع الأخذ بعين الاعتبار أن أوربا فقدت النسبة نفسها من سكانها بفعل الوباء (1)، لكن نضيف أن هذا الطاعون حسب أحد المصادر حصد نصف الساكنة كما ورد ذلك عند محمد الطالبي من مصدر مخطوط (2).



وفي إطار المقارنة بين حجم الخسائر البشرية التي عرفتها "تونس" و"تلمسان" و"بلنسية" و"جزيرة ميورقة من وباء الطاعون، أورد ابن خاتمة نصا مفيدا يضم إحصائيات مهمة عن عدد القتلى، فبعد أن أكد على أن بلد ألمرية مات فيه في يوم واحد نحو 70 نسمة، يتساءل عن حجم الخسائر بالمناطق السالفة الذكر إذ يقول: "وأين هذا العدد مما بلغنا عن غيره من بلاد المسلمين والنصارى، فقد بلغنا على ألسنة الثقات، أنه هلك في يوم واحد بتونس ألف نسمة ومائتا نسمة ... وتلمسان سبعمائة نسمة ونيف، وأنه هلك ببلنسية يوم العنصرة القريب ألف وخمسمائة نسمة وهلك بجزيرة ميورقة يوم أربعة وعشرين من شهر مايه ألف ومائتان واثنان وخمسون نسمة.. وخمن أي (تخيل من بقي من ناسها بعد ارتفاع الوباء بربع الجميع، وكذلك كان الأمر بسائر البلاد صغيرها وكبيرها على ما تأدى إلينا وانطلاقا من هذا النص الفريد نرصد معطياته الإحصائيات في جدول لنوضح الأمر أكثر :

عدد موتى مرض الطاعون الأسود في بلاد المغرب عدد موتى مرض الطاعون الطاعون الاسود وباء الطاعون الاسود ما هو الطاعون الأسود سبب مرض الطاعون عوارض مرض الطاعون مرض الطاعون في المغرب عدد ضحايا الطاعون الأسود الطاعون الأسود عدد وفيات الطاعون الاسود الطاعون الدبلي الموت الأسود




نظرا لأهمية المعلومات التي يذكرها ابن خاتمة عن عدد موتى بعض المدن بالغرب الإسلامي بسبب الطاعون الأسود، فضلنا تناولها في إطار المقارنة وشمولية الظاهرة، وتشابه الخصائص الطبيعية والاجتماعية للمنطقة ككل. ويتضح من خلال ذلك أن المعلومات الإحصائية التي قدمت تهم فقط عدد الموتى في يوم واحد، ومن ثم كم سيكون عدد الموتى لو توفرنا على عدد الأيام والشهور التي دام فيها الوباء يحصد ضحاياه ؟ مع العلم أن مدته لم تكن قصيرة، لكن الإشارة الأخيرة التي جاءت في نص ابن خاتمة ذات دلالة ديموغرافية هامة بقوله ، عند حديثه عن جزيرة ميورقة " .. وخمن من بقي من ناسها بعد ارتفاع الوباء بربع الجميع" % أي ثلاثة أرباع السكان تعرضت للموت. والأكثر من ذلك يذكر المؤلف أن الأمر نفسه كان بسائر البلاد صغيرها وكبيرها، وهذا يبين مدى فداحة الخسائر البشرية التي تعرضت لها مناطق الأندلس مثل "ألمرية" و"بلنسية" و"جزيرة ميورقة"، وأجزاء هامة من الغرب الإسلامي ( من بينها المغرب الأقصى) مثل "تلمسان" و"تونس". ومن خلال الجدول يظهر أن الطاعون فتك بأهل مدينة تونس ، ففي يوم واحد مات حوالي ألف ومائتي نسمة، وقد تزامن الطاعون الحملة العسكرية التي شنها أبو الحسن المريني وانتفاضة افريقية. وقد زاد غلاء الأسعار في تأزم الوضع الاجتماعي، إذ "اشتد القلق في الطعام فبلغ قفيز القمح ثمانية دنانير كبيرة والشعير على الشطر في ذلك، وكثر الوباء حتى انتهى عدد الأموات إلى ألف شخص ومات جماعة من العلماء والصلحاء..."




مع هكذا كان المغرب الأقصى إبان ظهور الطاعون محروما من خدمات أميره أبي الحسن المريني الذي مني بهزيمة كبيرة في افريقية، وفقد عددا مهما من جيشه عن طريق الحرب والبعض الآخر مات غرقا أو بسبب الطاعون. فهذه الظروف القاسية انعكست على الوضع الداخلي للمغرب، سياسيا واجتماعيا وديموغرافيا، إذ بعد تفشي الطاعون ازدادت الأحوال سوءا واضطرابا. هذا الوباء كان عظيما" لم يعهد مثله، قد عم أقطار الأرض وتحيف العمران جملة ...". كما ساهم الطاعون بتونس في تردي وضعية الرباطات والزوايا، وتقلص عدد السكان بها حيث أدى: " إلى تضاؤل عدد المرابطين حتى إن الحصن صار عاجزا عن إقامة صلاة الجمع لقلة الناس..".


(1) -Brignon et Autres, Histoire du Maroc, ibid, P  15

(2)-Mohamed TALBI, Effondrement Démographique Au Maghreb; du Xle,au XVe siècles cahier du Tunisie, 1917, XXV, PP,51-60

نقلا عن أبي الفضل شهاب الدين بن حجر العسقلاني بذل الماعون في فوائد الطاعون، مخ، بخزانة الوثائق بتونس، 00569-42F735-775

تعليقات