مدينة مراكش، بجانب ألقابها الشهيرة كـ"المدينة الحمراء" و"جوهرة الجنوب"، تمتلك لقبا آخر يميزها بين المدن المغربية وهو "مدينة سبعة رجال". هذه الظاهرة الثقافية والدينية العريقة تعود جذورها إلى عصر الدولة السعدية وتستمر في الحضور حتى يومنا هذا. الطواف الذي يعرف بـ"طواف سبعة رجال" ليس مجرد زيارة تقليدية، بل هو تقليد متجذر في التاريخ والثقافة، يعكس تمازج الدين والسياسة والاجتماع في مراكش والمغرب بشكل عام.
جذور الظاهرة:
في اواخر العصر الوسيط، ومع ضعف الدولة المرينية وصعود التهديدات الأجنبية على السواحل المغربية، برز دور الزعامات المحلية والزوايا في الدفاع عن البلاد وحمايتها. كان لرجال "ركراكة"، وهم قبيلة ذات أصول مصمودية، دور أساسي في هذا السياق. يرتبط ظهور طواف سبعة رجال في مراكش بالتصوف وانتشاره في المنطقة، حيث نالت مراكش لقب "مدينة سبعة رجال" تكريماً لهؤلاء الأولياء السبعة[1].
بدأت الفكرة بالطواف حول مقامات الأولياء السبعة في ركراكة كجزء من التقاليد الروحية، ولكن مع الوقت، تطورت الظاهرة لتشمل مراكش بعد أن أدخل السلطان السعدي محمد الشيخ فكرة تنظيم الطواف حول "سبعة رجال" في المدينة، كجزء من محاولة إعادة توحيد البلاد وإحلال الأمن[2].
الطواف بين الدولة السعدية والعلوية
تجددت أهمية طواف سبعة رجال في عهد المولى إسماعيل العلوي، حيث استغل هذا الطقس الروحي في إطار سياساته الرامية إلى مواجهة الثورات في مناطق سوس. وقد أحيى المولى إسماعيل هذا التقليد لتعزيز مكانة الأولياء العرب في مراكش مقابل رجراجة البربر، حيث نظم زيارة كبرى لجلب الأنظار إليها وصرفها عن زيارة ركراكة[3]. هذا الاستخدام الذكي للرموز الدينية كان جزءاً من استراتيجية المولى إسماعيل لتوطيد حكمه ومصالحة أهل مراكش[4].
الرجال السبعة: رموز التصوف والعلم
الرجال السبعة لمراكش هم رموز للتصوف والعلم في المغرب. يختلفون في أصولهم وأدوارهم الاجتماعية والدينية، لكنهم يتوحدون في رمزيتهم وأهميتهم الثقافية. فيما يلي نظرة على حياتهم وأدوارهم:
- القاضي عياض (توفي 544هـ/1149م): كان من أبرز علماء المغرب في العصر المرابطي، وله دور كبير في تطوير الفقه المالكي. عُرف بتصوفه وزهده وورعه، ورغم أنه لم يكن من مواليد مراكش، إلا أنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من تراث المدينة، حيث نُفي إليها بعد أحداث عنيفة في سبتة .
- أبو القاسم عبد الرحمن السيهلي (توفي 581هـ/1185م): ولد في الأندلس وتخصص في اللغة والتفسير وصناعة الحديث، وكان ضريرًا منذ شبابه. رغم غربته عن مراكش، إلا أنه استقر فيها بعد دعوة من يوسف بن عبد المومن، ليصبح واحدًا من رموز العلم والتصوف في المدينة .
- يوسف بن علي الصنهاجي (توفي 593هـ/1196م): وُلد ونشأ في مراكش، وابتُلي بالجذام الذي عزله عن المجتمع وجعله يختار العزلة في غار خارج باب أغمات. رغم مرضه، إلا أن صبره وصموده جعلاه نموذجًا للتصوف والزهد، ويُذكر أن ضريحه هو المحطة الأولى في مسار طواف سبعة رجال .
- أبو العباس السبتي (توفي 601هـ/1204م): من مواليد مدينة سبتة، وقدم إلى مراكش حيث أصبح من أبرز رموز التصوف. امتاز بمذهب خاص في الصدقة وكان له تأثير كبير على الحركة الصوفية في المدينة، وكان موقعه على جبل كيليز قبل دخوله إلى مراكش .
- محمد بن سليمان الجزولي (توفي 870هـ/1465م): أحد أبرز رموز التصوف والجهاد في المغرب. رغم أن علاقته بمراكش كانت متقطعة، إلا أنه أصبح جزءًا من تراث المدينة بعد أن نقل السعديون جثمانه إليها. يعتبر مؤسس طريقة جزولية الصوفية ومؤلف كتاب "دلائل الخيرات" .
- عبد العزيز بن عبد الحق التباع (توفي 914هـ/1508م): من مواليد مراكش وعُرف بأميته في شبابه، قبل أن يسافر إلى فاس للتعلم. اشتهر بأنه أحد تلامذة الجزولي والسهلي، وكان له دور كبير في نشر الطريقة الجزولية في المغرب .
- عبد الله بن عجال الغزواني (توفي 935هـ/1528م): من قبيلة غزوان في منطقة الشاوية، استقر في مراكش بعد دراسة في فاس وبحثه عن شيخ للطريقة. عُرف بنبوغه في التأليف في مجال التصوف وكان له دور اجتماعي بارز في شق السواقي وإحياء الأراضي الزراعية .
مسار الطواف
ينطلق طواف سبعة رجال من ضريح يوسف بن علي الصنهاجي، شرق مراكش، ويمر بمقامات الأولياء الآخرين في ترتيب محدد: ضريح القاضي عياض، ضريح أبو العباس السبتي، ضريح محمد بن سليمان الجزولي، ضريح عبد العزيز التباع، ضريح عبد الله بن عجال الغزواني، وينتهي في ضريح السهيلي. بين كل محطة وأخرى، يزور الطائفون عدداً من الزوايا والمساجد والمقابر، مما يضيف بعداً روحياً وثقافياً للطواف[5].
ظاهرة سبعة رجال في مراكش ليست مجرد تقليد ديني، بل هي جزء من الهوية الثقافية والدينية للمدينة. تمتد أصول هذه الظاهرة إلى قرون مضت، ولاتزال تشكل جزءاً من الحياة الروحية للمراكشيين والمغاربة بشكل عام. مع مرور الزمن، يظل طواف سبعة رجال مراكش شاهداً على عمق التراث المغربي وقدرته على التكيف والتجدد[6].
المصادر و المراجع
[1] حسن جلاب، الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال، ط1، 1994، مراكش، ص 170
[2] حسن جلاب، الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال، مرجع سابق، ص 171.
[3.] حسن جلاب، الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال، مرجع سابق، ص 171.
[4] حسن جلاب، الحركة الصوفية بمراكش: ظاهرة سبعة رجال، مرجع سابق، ص 173.
[5] حسن جلاب، موسوعة سبعة رجال مراكش، ج1، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، ط1، 2017، مراكش،، ص 243 وص 244.
[6] حسن جلاب، موسوعة سبعة رجال مراكش، ج2، مرجع سابق، ص 15 وص 16.