ساهم الإسلام، إلى جانب عوامل تاريخية أخرى، في تحقيق الوحدة السياسية للمغرب الأقصى، رغم التباينات الجغرافية التي ميزته. هذه الوحدة، التي كانت بعيدة المنال خلال عهد الممالك الأمازيغية وفترة الاستعمار الروماني، أصبحت ممكنة مع انتشار الإسلام في المنطقة.
نشأة الدولة المغربية في ظل الإسلام
بدأت معالم العلاقة بين الإسلام والدولة في المغرب تتبلور مع دخول إدريس الأول إلى المغرب الأقصى عام 170هـ (788م). أصبح إدريس الأول أول إمام روحي بايعته أغلب القبائل الكبرى في شمال المغرب. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت البيعة شرطًا أساسيًا لتنصيب الحاكم، وأصبحت وسيلة لتجديد عروش السلاطين وتعيين الأئمة الذين يخلفون من قضى الله بوفاته. وقد تميزت هذه البيعة بطابع مغربي فريد، يتجاوز في شروطه وممارساته سائر البيعات التي عرفها التاريخ.
تدريجيًا، أصبحت الشريعة الإسلامية تحل محل الأعراف التي كانت سائدة قبل الإسلام. وكانت الدول المتعاقبة على حكم المغرب مسؤولة عن تطبيق الشريعة وتنفيذ أحكامها. ويمكن القول إن معيار تولي مجموعة للسلطة وسقوط أخرى كان مرتبطًا بمدى التزامها بالوظائف الدينية المطلوبة منها وفقًا للظروف التاريخية، سواء كانت وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أو وظيفة الجهاد عند تعرض الدولة لغزو خارجي.
المذهب المالكي كعامل وحدة دينية وسياسية
لا يمكن الحديث عن علاقة الدين بالدولة في تاريخ المغرب دون التطرق إلى دور المذهب المالكي كعنصر بارز يعبر عن هذه العلاقة. فقد كان المذهب المالكي، قبل أن يكون مذهبًا للدولة، مذهبًا للمجتمع المغربي. ورغم محاولات بعض الدول التي تعاقبت على الحكم تهميشه، إلا أنها لم تنجح في ذلك. وكان الفقه المالكي هو المرجعية القانونية والسلوكية الأولى للمجتمع المغربي منذ اعتناق أهله الإسلام.
بدأ انتشار المذهب المالكي في المغرب خلال القرن الثالث الهجري، عبر احتضان بعض الفقهاء الذين درسوا الفقه المالكي في المشرق واستقروا في مناطق مختلفة من المغرب، مثل فاس وسبتة ونكور وسجلماسة. وتزايدت قوة هذا المذهب مع الوقت، خاصة في عهد الأمير إدريس الثاني (ت 213هـ)، الذي دعا عامر بن محمد بن سعيد القيسي، أحد تلامذة الإمام مالك، إلى المغرب لتعزيز الشريعة الإسلامية.
وقد لعب جامع القرويين، الذي تأسس عام 245هـ، دورًا كبيرًا في مأسسة هذا المذهب، حيث كان قبلة لجل الفقهاء والعلماء المغاربة. وبحلول القرن الرابع الهجري، كان معظم أهل المغرب يعتمدون في الفتوى على مذهب مالك بن أنس.
قدم المرابطون (427/1035-541هـ/1146م) دعمًا سياسيًا قويًا للمذهب المالكي، واعتمدوا عليه كمذهب للدولة. وتكمن أهمية هذا الدعم في أنهم كانوا أول من حقق إنجاز توحيد المجال المغربي سياسيًا. وما زال هذا التحول ذا قيمة كبيرة اليوم، حيث ساهم في تعزيز الوحدة السياسية والدينية في المغرب.
مؤسسة إمارة المؤمنين ودورها التاريخي
مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب هي مؤسسة إسلامية بامتياز، تعود أصولها إلى نظام الحكم الإسلامي الذي عرفه العصر الوسيط. كان يوسف بن تاشفين (ت 500هـ/1106م) أول من لُقّب بأمير المؤمنين في المغرب، وهو اللقب الذي استمر مع الموحدين والمرينيين والسعديين، حتى أُعطي للمولى الرشيد من العلويين، واستمر توارثه حتى تم دسترته في أول دستور مغربي عام 1962م.
تمثل الإمامة المكانة الدينية للسلطان، وتفرض عليه ضمان سمو الأحكام الشرعية، ويكون السلطان من موقعه هذا أعلى سلطة قضائية في البلاد. ومن خصائص هذه السلطة المعنوية أنها تأخذ بعين الاعتبار مسألة الشرف والنسب الشريف، وهو ما جعل القبائل الأمازيغية تلتف حول شخصية إدريس الأول، ثم حول الأسر السعدية والعلوية.
استمرار العلاقة بين الإسلام والدولة في المغرب
أكد دستور المملكة المغربية لعام 2011 على إسلامية هوية الدولة: «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية». هذا الفصل الدستوري يلخص تاريخًا طويلًا من تجذر قوانين الشريعة الإسلامية في الممارسة السياسية بالمغرب، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثوابت الدولة وركنًا أساسيًا من هوية المجتمع المغربي.