معلومات عن الكتاب
العنوان : دراسات في تاريخ الملاحة البحرية وعلوم البحار بالغرب الاسلامي
الكاتب : د. عبد السلام الجعماطي
الطبعة : 2015
دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت
اهمية الكتاب
يتناول كتاب دراسات في تاريخ الملاحة البحرية وعلوم البحار بالغرب الاسلامي بفصوله المختلفة الدور المحوري الذي لعبه المسلمون في تشكيل وصياغة علوم البحار والملاحة في العالم الإسلامي، بدءاً من عهد الخلفاء الراشدين مروراً بالعصور الأموية والعباسية، وصولاً إلى العصر الأندلسي و فترة ازدهار الغرب الاسلامي.
يستعرض كتاب دراسات في تاريخ الملاحة البحرية وعلوم البحار بالغرب الاسلامي بأسلوب منهجي وموثق مجموعة من المواضيع التي لم يتم تناولها كثيراً في الدراسات الحديثة. ينطلق الدكتور الجعماطي من فرضية أن العلوم البحرية التي طورها المسلمون كانت نتيجة مباشرة للخبرات المتراكمة والتحديات التي واجهتها الدول الإسلامية على سواحل البحر المتوسط والمحيط الهندي.
مقتطف من الكتاب
من المتعارف عليه بين الدارسين أن مقولة بداوة العرب وعدم مهارتهم في ثقافة البحر وركوبه باتت متجاوزة وغير دقيقة من المنظور التاريخي لهذا الموضوع؛ فمع أن سكان شبه الجزيرة العربية لم تشتهر بين أقيالهم علوم البحار والملاحة البحرية خلال عصور ما قبل الإسلام أو الجاهلية)، فإن أهل سواحل الحجاز واليمن وسكان الخليج العربي أو الفارسي) وعرب الشام لم يكونوا بمنأى عن ممارسة الملاحة، والتبصر بأحوال البحار وأنواع الرياح واتجاهات مهابها، والدراية الدقيقة بالنجوم وعلاقتها بأوقات السفر بحرا، وكيفية تقدير السير في البحر اعتمادا على مطالعها ومغاربها، فيما عرف تحت اسم علم الأنواء والأزمنة ومعرفة أعيان الكواكب.
ورغم غياب مصنفات في علوم البحار قبل مجيء الإسلام واختطاط صرح الحضارة العربية الإسلامية مع بروز علماء الفلك والجغرافيا والرحالين ومساحي الأرض وذارعيها وجوابي البحار والمحيطات، قبل ذلك كله كانت للعرب القدامى دراية بالملاحة في المحيط الهندي والخليج العربي وبحر القلزم (البحر الأحمر)؛ ويقوم دليلا على ذلك وجود حفريات تثبت عراقة استخراج اللؤلؤ من الخليج العربي منذ الألف الثالثة قبل الميلاد كما عرف الفينيقيون الذين ينحدرون من شبه جزيرة العرب بغزوهم للبحر المتوسط ونفوذهم على سواحله الشرقية والجنوبية، بل ومعرفتهم بسواحل إفريقيا الشرقية. وهجرة الصحابة والصحابيات إلى الحبشة عبر البحر الأحمر منذ البعثة النبوية، تعتبر في حد ذاتها حجة على آثار لثقافة البحر وركوبه لدى عرب الحجاز إلى جانب ذلك، يعد الشعر قرينة دالة على الصلة الوثيقة التي ربطها قدماء العرب بالبحر، وهو ما تعكسه أسماء السفن ومشاعر ركاب البحر ومع نشأة دولة الإسلام وتوسعها خلال عهد الخلافة الراشدة، وجد أولياء أمور المسلمين أنفسهم أمام ضرورة ملحة تتمثل في وجوب اكتساب أسطول بحري قوي وقادر على حماية سواحل الدولة الإسلامية التي أضحت حدودها تشارف إمبراطورية البيزنطيين سادة البحر المتوسط آنئذ؛ كما أن ضم ممتلكات الإمبراطورية الساسانية إلى دار الإسلام أورث المسلمين التقاليد البحرية لهذه الإمبراطورية العريقة، التي امتدت حدودها الجنوبية على آلاف الأميال من السواحل البحرية.
ويعزى الفضل في تكوين الأساطيل الإسلامية إلى الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، على يدي والييه على الشام ومصر معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص؛ فعلى الرغم من التخوفات التي أبداها هذا الخليفة تجاه ركوب البحر، والتي تعكسها مراسلاته مع عمرو بن العاص فإن الحاجة إلى تكوين قوة بحرية موازية للقوة البرية فرضت الانفتاح الإسلامي السريع على البحار، وظهور عدة ورشات لصناعة السفن بسواحل الشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس. وكانت لجهود معاوية بن أبي سفيان وخلفائه من بعده آثار حميدة على سمعة البحرية العربية التي كادت تضاهي في قوتها وتجهيزاتها نظيرتها البيزنطية. والملاحظ أن الدولة الأموية عرفت كيف تستفيد من خصومها بالأمس القريب، عن طريق استثمار خبرة الأقباط والسريان والفرس والقوط الإيبيريين في البحرية وصناعة السفن وتروي كتب الأخبار والجغرافيا التاريخية كيف كان أبناء الشعوب غير العربية المنضوية في ظل دار الإسلام في طليعة العاملين بدور الصناعة بالشام ومصر والغرب الاسلامي.