معلومات عن المقال
مقال النظام الغذائي لدى السجناء بالغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط -دراسة تاريخية أنثروبولوجية- مقتطف من مجلة أنثروبولوجية الأديان المجلد 17 العدد 02 المصدر سنة 2021 . تشرف على هذه المجلة جامعة سيدي بلعباس الجزائر.
مقتطف من المقال
تعتبر سلامة السجناء والسجون قاعدة عامة لدى الدول وهذه تقع ضمن مسؤوليتها. فالدول تشرف على تسيير السجون وحفظ أمنها وتحقيق سلامة نازليها وتاريخيا، كان الخلفاء والسلاطين يشرفون عليها إذ أحدثوا لها جرايات وأموال للإنفاق عليها وإصلاح شأن السجناء فيها. وكان هذا "...ما يقوتهم في إطعامهم وإدامهم وكسوتهم في الشتاء والصيف" ) عبد الحي الكتاني، ب ت ج 1، ص 300). يدل هذا الكلام على إلزامية تقديم الأغذية والأطعمة من طرف السلطات الوصية على السجناء و تلبية احتياجاتهم اليومية وغالبا ما كان هذا متغاضيا عنه الأمر الذي كان يدفع بالسجناء إلى الثورة والاحتجاج نتيجة معاناتهم وحرمانهم ومكابدتهم اليومية للجوع وأوضاره.
ومما يؤكد هذا الأمر، تجربة الطبيب العالم "ابن زهر" أيام محنته وسجنه سنة 524هـ بحاضرة "مراكش" على عهد أمير المسلمين "علي بن يوسف بن تاشفين (500هـ - 537هـ)؛ إذ عاين هذا الطبيب نزلاء هذا السجن وهم يلقون عنتاً وظنكا كبيرين بسبب الجوع وما يترتب عنه من مضار ومخاطر تظهرها أجسادهم النحيفة وهو ما جعلهم " يتطارحون على أعشاب كانت ما تزال على السقوف يأكلونها وأن ما يأكلون نوعا مذموما من اليتوع وغير ذلك لـ (دفع) ألم الجوع". وجراء تلك الأوضاع المزرية الناجمة عن حالة التغذية المزرية والإهمال المتعمد للسجناء وعدم تزويدهم بأقل ما تطلبه نفس كل إنسان من أطعمة لسد الحاجة والبقاء على الحياة. لذلك ، كان يلقى عدد من السجناء حتفهم كل يوم ( ابن زهر أبو مروان، 1984م ص 456، ص459، ص 460).
فهذا الوضع يخالف ما جرت عليه العادات والأحوال ودعت إليه الأعراف والديانات. بل أن الكثير مما كان يفعله الأمراء والحكام إهتمامهم الشديد وعلى غير المألوف ممن كان مميزا بالقوة والذكاء المتعمد والحيلة من السجناء واستخلاصهم لأنفسهم، حفظا لنظامهم وتمكنا بواسطتهم، من محكوميهم. ولعل هذه الوضعية التي كان عليها السجناء تعتبر تهديدا واضحا لحياة السجناء بسبب الإهمال من طرف القائمين على هذه السجون. فالسجناء أصبحوا فريسة سهلة للجوع والأمراض الناجمة عنهما، مما يدفع هؤلاء للبحث عن أغذية بديلة في جنبات السجن، فكانت النبتات الفطرية وغيرها ملاذهم الوحيد وإلا كان مصيرهم الحتف والموت.
إن هذه الوضعية لها مآلاتها على عائلات السجناء. فالمكون العام للذاكرة الشعبية لدى تلك العائلات يتمثل في أن أي نظام إنما وجد لغاية إنسانية هي أساسا رفع كل ما من شأنه المس بكرامة الإنسان. لكن الحال التي آلت إليها ظروف السجناء أوجدت تصرفات وسلوكات تتميز بالنفاق والدسائس التي باتت من العوامل والدوافع التي تعجل وتسرع من إحداث الشرخ بل والثورة على الأنظمة. وتاريخ المنطقة غني بالأمثلة التي تؤكد ذلك. لكن لا يجوز التعميم، فقد نجد خلاف ذلك. تذكر كتب التاريخ مسألة . سجن قاضي مدينة "ألمرية" وتدخل الأمير آنذاك : سجن قاضي مدينة "ألمرية" "ابن "أسود" بسبب وشايته بـ "محمد بن أحمد بن عريف" (ت 537هـ وتنكيبه، تعود الأحداث حين أستدعي الشيخ ابن العريف" من طرف الأمير "علي بن تاشفين" (ت537هـ) ثم تبين له صلاحه فحرره وأكرمه، فاشتد غيض القاضي "ابن أسود" تعتبر مسألة فسممه في أحب طعام عنده وهو الباذنجان فصنع منه طعاما ووضع فيه سما فمات الشيخ "ابن العريف". فعلم بذلك الأمير "علي ابن تاشفين" (ت537هـ) فألقى القبض على القاضي "ابن أسود" وأقسم أن يسمنه ويذيقه المعانات التي أذاقها للشيخ ابن "عريف" (ت537هـ) ، ثم أمر بسقيه السم فأشخصه إلى سوس الأقصى" وأنهى أمره ( ابن الزيات التادلي ،1997م، ص ص 118، 120).
والواقع أننا لا نعلم شيئا عن وضعية القاضي "ابن أسود" في سجنه وعن النظام الغذائي الذي كان يقدم له، وكلمة "لأسمنه" تدل على نمط من الأغذية والأطعمة التي احتفى بها عن غيره من السجناء تمهيدا لتسميمه والتخلص منه. وبمعنى آخر لم يكن نزلاء السجون على مستوى واحد من المعاملة، وكذا كان طعامهم.