قصة تحريم شرب القهوة في التاريخ الإسلامي .. لماذا حرمت القهوة قديما ؟

قصة تحريم شرب القهوة في التاريخ الإسلامي .. لماذا حرمة القهوة قديما ؟

 يعد تحريم القهوة في التاريخ الإسلامي من المواضيع المثيرة للجدل والتي شهدت تقلبات عديدة· فبعد ان بدأ ظهور القهوة في العالم الإسلامي بالقرن الخامس عشر، أصبح هذا المشروب شعبياً· إلا أن هذا الانتشار السريع لم يكن دون معارضة· فقد واجهت القهوة معارضة شديدة و فتاوي تحرم القهوة من بعض العلماء. فلماذا حرمت القهوة قديما ؟


كيف انتشرت القهوة في العالم الاسلامي


يعتبر أول من تناول ثمرة القهوة هو من متصوفة اليمن علي بن عمر بن إبراهيم الشاذلي سنة 828هـ اي في القرن 14 ميلادي، والذي لاحظ بعد تذوق ثمارها أنها تمده بجرعة من الطاقة واليقضة. وعلى انها تساعده في التركيز و الاجتهاد في العبادة، فبدأت تنتشر بين صفوف تلامذته .

إلا أن خروجها عن دائرة صوفية اليمن، الذين كانوا يأخذونها معهم أثناء رحلاتهم للحج أو مصر، جعل الناس يشككون في هذا المشروب الداكن اللون مر المذاق، خاصة وأن تسميتها بالقهوة تثير الكثير من الشكوك. لأن "القهوة" من أسماء الخمر عند العرب، فتناقلها الناس. وكان يطلق عليها في جميع الأمكنة قهوة البن أو القهوة السوداء، لتمييزها عن النبيذ المعروف باختلاف لونه.


القهوة بين فتاوي محرمة و اخرى محللة

في القرن 15 و 16 ميلادي انتشرت القهوة بشكل واسع في الحجاز و مصر و بقاع الدولة العثمانية . وسبب إطلاق اسم القهوة على هذا المشروب يعود إلى أنها “تقهي شاربها” أي أنها تنزع شهوته عن الطعام وتجعله زاهداً في الطعام، وهذا بالضبط ما يريده الزاهدون إلى الاكتفاء بقليل من الطعام، مع المحافظة على نشاط السهر للعبادة، وقد اثارت القهوة جدلاً بين الفقهاء، حيث ذهب بعضهم إلى التصريح بتكفير شارب القهوة، فيما أصدر ولاة الاقطار الاسلامية كمكة ومصر أوامر بجلد قاطفها وطابخها وشاربها، وكانت العقوبة تصل في بعض الأحيان إلى الإعدام.
في هذا الصدد أصدر الشيخ علي أحمد السنباطي فتوى بتحريم شرب القهوة باعتبارها “مادة مسكرة مخدرة للعقل”، مما دفع القائمين على الحسبة إلى مهاجمة أماكن إعدادها وتكسير أوانيها وتخريبها بمصر. وتجريم شربه علنا. وهنا تظهر العديد من عناوين الكتب ورسائل العلماء شدة الجدل الدائر حول مسألة المشروب الجديد مثل “عمدة الصفوة في حل القهوة” للشيخ عبد القادر الأنصاري، و”رسالة في القهوة والدخان والأشربة المحرمة” للشيخ مصطفى الأقصاوي . اضافة الى كتابات اخرى و اراء متضاربة حول القهوة.



امتد الخلاف بين الفقهاء و العلماء المفتين أنفسهم، حيث تشير المصادر إلى أن مفتي مكة الشيخ نور الدين بن ناصر الشافعي تعرض للتكفير لأنه دافع عن القهوة ولم يعتبرها محرمة مثل عدد من المفتين. حيث اعتبروها حلالاً في حد ذاتها، ولكنها محرمة لما يصاحبها من مظاهر الاختلاط والفجور والفحش.



وقد دفع هذا التحريم التجار وأصحاب المقاهي إلى مطالبة الشيخ السنباطي بالتراجع عن فتواه التي تسببت في الاعتداء عليهم، لكنه أصر على القول بأنه مشروب محرم لأنه يؤثر على العقل. وتطور هذا النقاش بين المفتي وعشاق القهوة لدرجة محاصرته داخل المسجد، مما اضطر السلطان إلى الاستعانة برئيس القضاء محمد بن إلياس الحنفي، الذي أصدر في النهاية فتوى بعدم تحريم القهوة بعد نقاش طويل. تحولت بعد ذلك القهوة إلى مشروب شبه نخبوي. ووصفها جمال الدين القاسمي في كتابه “رسالة في الشاي والقهوة والدخان :


” بأنه مشروب للأدباء والمدرسين وقراء الكتب وأساتذة العلوم الأدبية والشعراء وأهل الأدب”.



ويشار إلى أن فتوى جواز شرب القهوة لم تنجح في إغلاق قوس الجدل بشكل نهائي، إذ بدأ التعامل مع القهوة يتعرض أحيانا للاستغلال السياسي من قبل السلاطين العثمانيين الذين أحيا فتاوى تحريمها في بعض المحطات. بعد أن انتشرت الأماكن المخصصة لشربه، لتشكل مناسبة لفتح نقاشات حول الظروف السائدة. فمثلا، قام السلطان مراد الرابع الذي تولى الخلافة عام 1042هـ 1623م، بإصدار مرسوم بمنع تناول القهوة والأمر بضرب رقبة كل من يجرؤ على شربها، بدعوى أنها "تزعج الناس وتزيد من غضبهم على السلطان ونيته إيذائه، حيث يتجمع الناس في المقاهي"؛ هناك الموسيقى والغناء والحديث في شؤون البلاد و السياسة، وتكثر البلبلة وتشعل الفتن. وأدى هذا الرفض للقهوة إلى تداول أحاديث نبوية حول تحريمها، مثل :

“من شرب القهوة حشر يوم القيامة ووجهه أسود”.

وهذه أحاديث أثبت العلماء بطلانها والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى ان هذا النوع من الأحاديث بدأ انتشارها بعد وفاة الرسول بقرون وذلك بهدف قلب الموازين لصالح محرمي القهوة ، وقد أحدث هذا انقساما شديدا بين العلماء، وهذا ما تكشفه أيضاً عناوين الأعمال التي تضمنها كتاب “التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي” الذي تحدث عن رسالة تحريم القهوة للشيخ الحكمي الكازروني، في مقابل كتاب يدافع عنها للشيخ أبو بكر المكي تحت عنوان خلق المروءة بالقهوة.

يعتبر تاريخ موضوع القهوة في التاريخ الإسلامي امرا يعكس الصراع بين التقاليد والحداثة، فالقهوة أكثر من مجرد مشروب، بل مثال للتحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع الإسلامي عبر القرون.



شمس الدين، عبد الله بن محمد. (1971). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. دار الفكر العربي.
جمال الدين، عبد الرحمن بن محمد. (1999). الفتاوى الكبرى. دار الكتب العلمية.
الجبرتي، عبد الرحمن. (1997). عجائب الآثار في التراجم والأخبار. دار الكتب العلمية.
أحمد، محمد زكريا. (2008). تاريخ العثمانيين: من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة. دار الشروق.
ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله. (2003). التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. دار الكتب العلمية.


تعليقات