تنتمي الحضارة الرومانية إلى الحضارات القديمة شأنها شأن الحضارة المصرية و الفينيقية و الإغريقية والقرطاجية و البابلية و الآشورية والليبية (الأمازيغية القديمة)... حيث تفاعلت مع كل هذه الحضارات فأثرت و تأثرت. لقد غطى مسار هذه الحضارة حيزا زمنيا طويلا نسبيا، حيث امتد حسب المعطيات الأركيولوجية والنصية من أواسط القرن 8 ق.م (753 قبل الميلاد) إلى انهيار الجزء الغربي الذي شكلت مدينة روما عاصمته، ثم انهيار الجزء الشرقي على يد العثمانيين بتاريخ 1453 م بعد ضم العاصمة القسطنطينية من طرف السلطان العثماني محمد الفاتح، و بهذا يكون تاريخ الرومان السياسي قد عمَّر ما يناهز 22 قرنا (2200 سنة) و بذلك تعتبر هذه الحضارة من الحضارات القديمة التي عمَّرت طويلا، كما أنها أثرت بشكل كبير على معظم الشعوب التي أخضعتها (أنماط الحياة، العبادات، الآلهة، المؤسسات التشريعية، الجانب العسكري، الجانب الفني، الاقتصاد،...).
لقد تميز تاريخ روما السياسي بخصائص و مميزات ميزته عن باقي الحضارات في العالم، إذ تدرج نظامه من النظام العشائري إلى النظام الملكي، ثم الجمهوري، فالإمبراطوري. و في كل مرحلة من هذه المراحل كانت للحاكم سلطات دون أخرى. أيضا تميزت هذه الحضارة بالنزعة الاستعمارية التوسعية، حيث قادتها إلى الإخضاع التدريجي لجهات البحر الأبيض المتوسط شمالا و جنوبا، غربا و شرقا، لدرجة أصبح هذا البحر يلقب بالبحيرة الرومانية في أزهى مراحلها.
الشق الأسطوري حول تأسيس روما:
يعتبر العامل الجغرافي عاملا مهما في بناء أي حضارة قديمة. و قد لعب هذا العامل دورا في نشأة المدينة روما Rome ثم تطور حضارتها، حيث أهلها موقعها المرتمي على سهل اللاتيوم Latium والذي يطل على نهر التيبر يجب استحضار دور الأنهار في قيام الحضارات قديما. و قد حُدَّت المدينة روما جهة الغرب ببحرالتيرينيه، كما حدتها داخليا التلال السبع، مما أعطى للمدينة موقعا استثنائيا و جعل منها نقطة جذب لاستقرار مجموعات بشرية أطلق عليها قديما القبائل الأتروسكية Etrusques ، ثم بدأت تبرز أهميتها كمدينة وسط الجزيرة الإيطالية. و بدأت الأنظار تتطلع لإقامة كيان سياسي تزعمته إحدى أسر هذه القبائل للوصول إلى السلطة أو الزعامة. لقد لعب موقع مدينة روما دورا جعلها تتبوأ الصدارة ضمن باقي المدن الإيطالية لتشكل صلة الوصل بين مناطق الحوض المتوسطي الشاسع علما أن الجزيرة الإيطالية نفسها عبارة عن محور لهذا البحر و تشطره إلى شطرين: قسم غربي و آخر شرقي.
لقد اختلفت الروايات حول تأسيس المدينة روما، و تنازعها الطابع الأسطوري و الطابع الواقعي، و في كل الأحوال، ف تاريخ التأسيس يعود للقرن 8 ق.م عام 753 قبل الميلاد التاريخ التقليدي.
فعلى المستوى أسطورة التأسيس وحسب ما أوردته بعض المصادر الكلاسيكية القديمة يرجع الفضل في تأسيس المدينة روما ل التوأم ريموس و رومولوس Romus وRomulus اللذين ينحدران من سلالة يونانية من جهة الأب الأمير الطروادي إينياس الذي خرج من حصار طروادة منهزما بعدما حوصرت حوالي 10 سنوات من طرف اليونان الآخيين، فتاه مركبه في عرض البحر الأبيض المتوسط و بعد المعاناة وتكبد المشاق، تقول الأسطورة ، وصل سواحل إيطاليا بمساعدة الآلهة وهناك دخل في علاقة غرامية مع احدى اميرات المنطقة أسفرت عن ميلاد التوأمين.
وفقًا ل روايات الرومان الأسطورية دائما، فقد ترعرع التوأمان في غابة اللاتيوم بعد أن احتضنتهما ذئبة، فقامت بإرضاعهما، ثم كفلهما أحد الرعاة. و لما شبَّا اتفقا على تأسيس المدينة ، لكنهما اختلفا حول موقعها، مما نتج عنه قتل رومولوس لأخيه روموس، و بذلك نصب نفسه كأول ملك على المدينة والمناطق المجاورة لها، فتعاقب على حكمها حسب المعطيات الأسطورية دائما، سبعة ملوك عملوا على إرساء قواعد الحكم مع الاهتمام المستمر بتوسيع المدينة.
الشق التاريخي حول
تأسيس روما:
يعتمد الشق التاريخي حول تأسيس روما بالدرجة الأولى على المخلفات الأركيولوجية و النصوص ذات الصبغة التاريخية البعيدة عن الطابع الأسطوري، فهذه المعطيات تمدنا بمعلومات تتحدث عن مجموعات بشرية هاجرت في إطار تحركات الموجات البشرية قديما من جزر اليونان ومن شمال أوربا نحو السواحل الجنوبية للجزيرة الإيطالية منذ القرن 12 ق.م حوالي 1200 ق.م ، وهم المعروفون بالإتروسكيين Les étrusques .
و يعتبر نص المؤرخ الروماني تيت ليف Tite live صاحب مؤلف التاريخ الروماني Roman History خير شاهد على هذا المعطى، حيث يقول ‘’ قبل ظهور القوة الرومانية، كان الإتروسكيون قد تمكنوا من توسيع منطقة نفوذهم في البر و البحر، حتى أن إسمي البحرين: البحر الأعلى و البحر الأسفل اللذان يتاخمان إيطاليا و يحولانها إلى جزيرة تشهد على قوة هذا الشعب. فقد أطلقت شعوب إيطاليا على أحدهما البحر الإتروسكي نسبة إلى الأمة الإتروسكية، و على الآخر إسم البحر الأدرياتيكي نسبة إلى أَدْرِيَا، وهو إسم مستعمرة إتروسكيا .
يتبين إذن أن العناصر التي أسست مدينة روما هم الإتروسكيون الذين توسعوا تدريجيا داخل الجزيرة الإيطالية من الجنوب نحو الشمال ليبسطوا سيطرتهم في نهاية المطاف على معظم جهات الجزيرة. و يندمجوا مع باقي المجموعات البشرية التي كانت تستوطن المنطقة. وبذلك وضعوا الإرهاصات الأولى للمؤسسات ثم طوعوها تدريجيا ليصلوا في نهاية المطاف إلى تبني النظام الملكي كأول نظام حكم عرفته روما المدينة.
بتصرف من محاضرات الأستاذة خديجة قمش ، وحدة الإغريق و الرومان ، كلية الأداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل القنيطرة ، المغرب