تميزت القرون الثلاثة الماضية في تاريخ المغرب بانتشار الأوبئة و الأمراض على فترات متقاربة أو متباعدة . وكثيرا ما يستمر الوباء سنتين أو أكثر. وفي الغالب يشمل أنحاء المغرب وقد يشمل أقطارا مجاورة إذا لم يحمله مسافرون منها . والمجاعات أيضا ساهمت في تظهور الصحة كما كان تعامل المغارب مع الأمراض والأوبئة محدودا، حيث أن التقهقر الذي حصل في بناء المارستانات (المستشفيات) بالمغرب وكانت قبل هذا الزمن تقتصر على قليل من المدن تسبب في توقف نشاط بعضها وتضاءلت موارد الباقي مع تقهقر في وسائل العلاج ونقص الأطباء جعل حالة علم الطب في المغرب مزرية. وهذه لائحة بأخطر الأوبئة مع حالة الطب في المغرب وتعامل المغاربة مع الأمراض في الفترة ما بين القرن 17 و التاسع عشر في تاريخ المغاربة.
الأوبة في المغرب بين القرنين 17 و 19
وباء استمر من 1087 إلى 1090 / 1676- 1679، وكان ظهوره بتطوان وضواحيها . وقد أشار إلى وفاة الفقيه عبد الله الرثوث بتطوان سنة 1087 من الطاعون . وفي السنة التالية انتشر الموت بالسكتة القلبية مع الطاعون بهذه الناحية . كما انتشر السعال بفاس وبرد الجو صيفا بعد أن كان دفيئا في الشتاء . كما نزل المطر في الصيف أيضا ، وفي 1089 انتشر الوباء بعامة المغرب وشمالي إفريقيا إلى 1090ه. "فكان العبيد يتعرضون بسبو على الطرقات يردون الناس عن مكناسة . وكذلك كانوا يتعرضون بسايس ، وكل من يأتي من فاس يقتلونه . فانقطعت السبله"(1) . وحسب الضعيف . فإن الطاعون قد استمر إلى 1096 /1684م.
وباء 1154 - 1155/ 1741- 1742 .قال الضعيف بشأنه إنه كاد يفني عبيد الرملة (جيش البخاري بالغرب) وكانوا 60 ألفا فبدأوا يضعفون من هذه السنة . كما أفتى عددا من المدن كمكناس وفاس وزرهون ، ومات بالقصر الكبير 14 ألفا .
وباء 1163/ 1749 حدث وباء عام بالمغرب مع توقف المطر وحدوث الجفاف .
وباء 1166/ 1752 حدث بعموم الشمال الإفريقي عن طريق حجاج البواخر القادمة من القسطنطينية .
وباء 1212/ 1797 اجتاح حواضر المغرب وبواديه واستمر إلى 1215. وكان انتشاره فيها سنة 1213ه خصوصا بمكناس وفاس
حيث أفنى أسرا بكاملها ، وكان ممن توفوا بالوباء سنة 1212 عدد من الأمراء البارزين والكاتب الوزير محمد بن عثمان ، ويظهر أن الوباء بلغ منتهى خطورته سنتي 1214 - 1215 (1799 - 1800) حيث ارتفع معدل الوفيات بتطوان يوميا إلى 130 أو 150 . وكان بين ضحاياه علماء بارزون كالمفتي محمد الجنوي ، وبلغ مجموع الوفيات فيما قبل 50 ألفا بمراكش و65 ألفا بفاس و5 آلاف بآسفي و4500 بالصويرة . وحمل هذا الوباء من طريق الحجاج القادمين من مكة .
وباء 1818/1234 وقع أيضا على إثر دخول الحجاج القادمين من مكة حيث نقلتهم سفينة بريطانية تدعى التاج . من ميناء الإسكندرية إلى طنجة . وكان ذلك في مايو من السنة المذكورة وتلها باخرة في مطلع يونيو من الإسكندرية أيضا. واجتاح الوباء البلاد في بضعة أشهر بعد أن رفضت السلطات الحجر الصحي الذي طالب به القناصل بطنجة . وفقدت طنجة وحدها أزيد من خمس سكانها البالغ عددهم أزيد من 10 آلاف ، وكان من ضحاياه الشيخ العربي بن المعطي بن صالح الشرقاوي دفين أبي الجعد . وقدر عدد الوفيات بتطوان يوميا.
وتعطلت حركة المواصلات البحرية مدة طويلة عن طريق طنجة التي كانت جل البواخر ترفض الرسو بها ولزم أكثر الأوروبيين بيوتهم بهذه المدينة مدة سنة ، وكان سبب انتشار هذا الوباء السريع إثر مجاعة سببها اجتياح الجراد فيها بين 1810 /1816م . ولكن الوباء كان عن طريق نقله من الحجاج كما تقدم .
وباء 1271 - 1272 (1854 - 1855) وهو وباء كوليرا شأن معظم الأوبئة التي اجتاحت المغرب ، وتوفي منه بالرباط حوالي 6 آلاف معظمهم يهود وبتطوانحوالي ثلاثة آلاف .
وباء 1285 | 1868 وهو أيضا وباء كوليرا وكان عاما .
مرض الجذري سجلت حالات كثيرة منه بالرباط 1290/ 1873 حيث أفنى عددا كبيرا من الأطفال .
وباء 1295 - 1296 (1878) وكان أيضا «كوليرا» عامة بالمغرب مصحوبة بمجاعة شديدة خصوصا بالبوادي حيث تدخلت الدولة لمساعدة السكان بالمواد الضرورية . ثم حدث وباء الحمى الذي هلك منه الصدر الأعظم موسی بن أحمد كما تسلط على الفات الموسرة . ويحتمل أن يكون نسمما من مواد معينة .
وباء 1313 -1314 (1895 - 1896) وهو وباء كوليرا : ويسميه المغاربة "بوكليب" (بكاف معقودة) وحل أيضا عن طريق الحجاج الذين نزلوا بطنجة واجتاح البلاد حتى أطرافها جنوبا وتسلط على الجيش أثناء توجهه إلى الرحامنة . فهلك منه كثير .
كانت السلطات عاجزة عن وضع حد لهذا الوباء المدمر لعدم اكتشاف التعقيم ضده من جهة . ولرفضها الحجر الصحي على المسافرين بحرا من جهة ثانية . وكانت هناك حالات تثير الشفقة من غير أن تجد علاجا ناجعا . ومن ذلك أن الأفاعي فتكت بأعداد كبيرة من الجيش بسوس سنة 1882م حيث كانت الوفيات يوميا من 10 إلى 20 وكذا الشأن في الدواب أيضا وتوفي أحد الوزراء بعد أن تمزقت متانته سنة 1886.
وبمراکش تم عزل المجذمين خارج المدينة حيث مساكنهم ومسجدهم وسوقهم وحتى سجنهم ويشتغلون بالأعمال الفلاحية. وتجارة المجذمين هذه خصص لليهود منهم ملاح وبيعة ، وكان عدد المجذمين يقدر بمائتين إلى ثلاثة مع أسرهم .
الطب في المغرب بين القرنين 17 و 19
لم يكن المغرب مضطلعا على الطب الحديث ، ولكن تواجد بعض الأطباء التقليديين الذين اكتسبوا الطب بالتجربة والممارسة وأحيانا بالدراسة العتيقة أيضا . وقد روى الضعيف حالة فذة وغريبة حقا في بابها وإبانها ، حيث ذكر أن امرأة بمكناس كانت جسيمة ، فمرضت ، وشق طبيب بطنها سنة 1690/1102 وأخرج منها علة بلغت 35 رطلا ، وشفيت المرأة بعد ذلك وعاشت سنين أخرى (2) . إن ممارسة الجراحة بالمغرب في هذا الوقت مع بدائية الوسائل شيء يثير الاهتمام .
وفي عهد المولى رشيد عزل القاضي المزوار عن فاس فمرض مرضا شديدا . ثم جس الطبيب نبضه وشخص مرضه .
فلما خرج من عنده قال : إن هذا الرجل لا دواء له إلا الرجوع للقضاء وإلا هلك قريبا
. فلم يعد للقضاء وتوفي بعد قليل .
ومن أبرز الأطباء محمد بن سعيد المرغيثي وهو شخصية مخضرمة عاصرت العهدين السعدي والعلوي . وينسب إلى مرغيثة من سوس . ومولده بمراكش . وكان يشخص الأمراض عن طريق تحليل بول المريض ، ومارس العلاج مدة ، وهو مؤلف "المقنع" في التوقيت . توفي سنة 1678/1089م.
وإبراهيم بن علي من أطباء البلاط الاسماعيلي ، ومارس الطب في عيادة له مكناس حيث كان يبيع الدواء أيضا على طريقة الأطباء من عهود قديمة . وهو أستاذ عبد القادر بن شقرون الطبيب المكناسي . وعبد الوهاب بن أحمد أدراق طبيب البلاط الاسماعيلي ومن علماء الطب في زمنه . وكانت عيادته بفاس أمام مولاي إدريس . حظي بتشجيعات مادية كبيرة من السلطان ، وتوفي سنة 1159/ 1746 .
وقد حل بالمغرب عدد من الأطباء الأوروبيين وبالأخص الفرنسيين ولاحظوا تخلف الأوضاع الصحية والطبية بوجه عام وجلهم استدعي لعلاج سلاطين وأمراء وسيدات البلاط، وبعضهم دعوا للإسهام في علاج المرضى من وباء عام . غير أن مساهمتهم ضعيفة جدا بالنسبة للمجتمع المغربي لقلتهم ولأن استقرار بعضهم نهائية بالبلاد لم يبدأ يأخذ طابعا هاما إلا منذ أواخر القرن 19 وذلك إلى جانب دور الرهبان الذين كان لهم دور مشابه بالجزائر وغيرها .
(1) ناصري ، الإستقصا، 7، ص 60 -61
(2) الضعيف ، ص 74