جاء عهد السلطان المولى إسماعيل الممتد بين 1672 إلى 1727 بعد مرحلة تأسيس الدولة العلوية في المغرب التي كانت على يد المولى الرشيد(1664-1672)،وحقق السلطان المولى اسماعيل مجموعة من الإنجازات، فقد انصبت جهود طيلة فترة حكمه، على تقوية السلطة المركزية في المغرب، فأحدث بعض التنظيمات لتحقيق ذلك، وحاول القضاء على الثورات الداخلية بتحرير المواقع المحتلة والدفاع عن حوزت البلاد إزاء الأطماع الخارجية. وسنفصل في هذا الموضوع على أهم الإنجازات التي حققها السلطان المولى إسماعيل في المغرب الحديث.
تقوية جهاز المخزن:
عسكريا : عزز المولى اسماعيل قبائل الكيش العربية بإحداث جيش نظامي جديد مكون من عبيد البخاري الذي جمع فيه مغاربة دوي البشرة السوداء داخل المغرب إضافة إلى العبيد المستقدمين في جنوب الصحراء وتولت الدولة اعدادهم لحياة الجندية. كما شيد 76 قصبة لتأمين التجارة واختار مكناس عاصمة له.
إقتصاديا : كانت من بين إنجازات المولى إسماعيل حرصه على التجارة الصحراوية والمبادلات مع أوروبا، وكذلك على الجهاد البحري وتوجيه مداخيلها لفائدة المخزن، وفرض نظاما جبائيا بالمغرب شمل علاوة على الضرائب الشرعية والجمركية ضرائب أخرى، مثل المكس والحركة والمونة.
سياسيا : عمل على إضعاف الزوايا، وحصر نشاطها في المجال الديني، وشجع على تأسيس أخرى خاضعة له واستخدمها لتعزيز نفوذه، كالزاويتان الوزانية بالريف الغربي والناصرية بتامكروت، كما عين بعض أبنائه على أقاليم البلاد، وحاول الاستعانة بهم في حكمها ترسيخا لسلطته.
مواجهة الثورات والاحتلال الأجنبي:
تفاقمت الانتفاضات بفاس خلال عهد المولى إسماعيل، وكان من أهم أسبابها، تضرر تجارها من المكس(الضرائب الغير الشرعية)، وقد استخدم السلطان كل الوسائل لإخضاعهم، فحاول استمالة الشرفاء والعلماء ورؤساء الزوايا، ثم التجأ أخيرا الى أسلوب الصرامة والقوة.
ثارت قبائل سوس بزعامة بعض الأمراء العلويين الطامعين في السلطة ضد تحكم المخزن في تجارة القوافل الصحراوية، فنصبت ابن أخ المولى إسماعيل، أحمد بن محرز، سلطانا عليها طيلة أربعة عشر سنة، وبعد تخلص المولى إسماعيل منه في سنة 1685م، والى السوسيون حركتهم بزعامة بعض أبناء السلطان.
التفت قبائل الأطلس الرعوية حول بعض الزوايا المعارضة للسلطة المركزية مثل زاوية أحنصال وتاسافت، ورفضت أداء الجبايات، وتمخض هذا عن اضطرابات تطلب من المخزن أكثر من ربع قرن من الصراع العنيف لتهدئتها، وتطويقها بسلسلة من القصبات.
من أهم الإنجازات التي حققها المولى إسماعيل هي تخليص الثغور المحتلة لتقوية نفوذه الديني والسياسي، واستكمال وحدة البلاد، وتمكن المغاربة بقيادته من تحرير جل ثغور الشاطئ الأطلنتي، ودعم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الاسباني للجيوب الشمالية، وظلت سبتة محاصرة قرابة ثلث قرن.
سياسة المغرب إزاء الأتراك:
عمل أتراك الجزائر على استغلال ظروف المغرب أيام المولى إسماعيل، فدعموا بعض المتمردين وقد نظم المخزن بين سنتي 1674-1692م بعض الحملات العسكرية لصد أطماعهم، ومعاقبة المتعاونين معهم، وإنهاء اضطرابات بعض قبائل المغرب الشرقي، وحاول السلطان مساعدة الجزائريين ضد الاسبان بوهران في سنة 1694م، كما وطد سلطته بتوات مثلما دعم نفوذه بشنقيط، ومع أن المناوشات دامت الى سنة1712، ورغم أن قبائل غرب الجزائر الثائرة ضد العثمانيين كانت تبدي رغبتها في الدخول تحت طاعة السلطان المغربي، فإن الصراع التركي المغربي إبان العهد العثماني غالبا ما كان ينتهي عقب كل مواجهة بتأكيد صلح واد تافنا.
العلاقات مع أوربا:
منذ نهاية القرن17م أخذت حركة الجهاد البحري تضعف بسبب تفوق التقنيات الملاحية والعسكرية للأساطيل الأوربية، وكان لتدهور هذا النشاط، واسترجاع المنافذ المغربية، وأهمية موقع المغرب على طرق التجارة والملاحة العالميتين، أثر على تنمية المبادلات التجارية مع دول أوربا خاصة عبر مينائي سلا وتطوان.
تطلب تطوير هذه التجارة مع الأوربيين، وتمتين العلاقات الدبلوماسية مع حكامهم، تسوية مشكلة الأسرى، ولذلك أولى المخزن المغربي عناية كبرى لافتكاكهم، أو ضمان حسن معاملتهم، وتبادل من أجل ذلك مع دول أوربا العديد من السفارات والمراسلات.
حاول المغرب تحسين علاقته مع فرنسا، لكن المحاولات فشلت بسبب إلحاح لويس الرابع عشر ملك فرنسا على افتداء الأسرى بالمال، ورفضه موقف السلطان المولى اسماعيل.
إقرار ملك فرنسا باستمرار الاحتلال الإسباني لسبتة عند اعتلاء حفيده فليب الخامس عرش اسبانيا، وتشبث المخزن بالإشراف على تجارته مع فرنسا وزيادة ضرائبه الجمركية.
عملت بريطانيا على الاستفادة من هذا الفشل، ومن الصراع المغربي - الإسباني، وميل السلطان إلى إقامة علاقات وثيقة معها قصد الاعتماد على قوتها البحرية، والحصول منها على السلاح لتحرير سبتة، سيما بعد احتلالها لجبل طارق في سنة1704م، وانتصارها على الفرنسين في حرب الوراثة الإسبانية فيما بين1702-1714م، فوقعت مع المغرب في سنة1721م معاهدة خولت لها احتلال مركز الصدارة في تجارته الخارجية طيلة ثلث قرن.
انتهى الصراع بقضاء الأشراف العلويين على الزوايا والكيانات المستقلة، وإعادة توحيد المغرب تحت سلطة مركزية انطلاقا من الجنوب، وإذا كان المولى الرشيد هو المؤسس الأول للدولة العلوية، فإن خلفه االمولى اسماعيل هو الذي سيقوم بمهمة توطيد هذه الدولة وتنظيمها والدفاع عنها ضد القوى الأجنبية، غير أن تزايد عدد جيش البخاري، وارتباطه بشخص مؤسسه جعله يتحول اثر وفاته إلى أحد أبرز عوامل إضعاف السلطة المركزية، وبذلك سيدخل المغرب مرحلة أخرى من الاضطراب والضعف.
المصادر و المراجع
ابراهيم حركات - المغرب عبر التاريخ, الجزء الثالث , الطبعة الثالثة , دار الرشاد الحديثة , الدار البيضاء , 1993 .
الإفراني محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، الطبعة الأولى – سنة 1419 هـ / 1998م