لا يخفى عنا أن أمريكا الشمالية خضعت للاستعمار الإنجليزي، فقد شارك الإنجليز في حركة الكشوف في أواخر القرن 15م عندما وصل "جون كابوت" إلى نیوفوندلاند بأمريكا الشمالية وسار بحذاء الساحل معطيا لملك إنجلترا الحق في الإدعاء بملكية ما عرف بعد ذلك ب إسم الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أسس الإنجليز أولى مستعمراتهم هناك سنة 1607م وعرفت بإسم جیمستون، وكان إتباع الحكومة لسياسة الشركات التي تتولى استعمار الأراضي لحسابها - بما يفيد الوطن الأم - من العوامل الهامة التي وطدت الاستعمار الإنجليزي في أمريكا، ولكن الهجرات المتتالية من إنجلترا بالخصوص إلى العالم الجديد كانت من أهم عوامل نجاح هذا الاستعمار وزيادة عدد السكان هناك، ومما ساعد على نمو عدد السكان أيضا الاضطهادات الدينية في إنجلترا التي أدت إلى هجرة "البيوريتان" و في فرنسا التي أدت إلى هجرة "الهوجوفوت"، وباتساع نطاق هذه المستعمرات الإنجليزية أصبحت تكون وحدات كبرى (13 ولاية) لكل منها حكمها الذاتي ولكنها جميعا تحت سيطرة ملك إنجلترا والبرلمان الإنجليزي.
حقيقة كانت
الحكومة البريطانية تشجع رعاياها على الاستعمار وتمنحهم التسهيلات ولكنها في أول
الأمر لم تكن تنتظر الكثير من الفوائد من وراء الاستعمار في أمريكا، بل كانت هناك
منذ البداية مخاوف من أن تهتز العاصمة الإنجليزية اقتصاديا بسبب نمو اقتصاديات
المستعمرات على حساب اقتصاد الوطن الأم، فقد كانت هذه المستعمرات لا تتاجر مع
بريطانيا فقط في أول الأمر وأدركت حكومة لندن أن ربط تجارة المستعمرات مع بريطانيا
قد يعود على حكومة لندن بالفوائد الكبيرة ولذلك صدرت القوانين الملزمة بالمتاجرة
فقط مع بريطانيا منذ منتصف القرن السابع عشر، وكانت هذه القوانين من الصرامة لدرجة
أن مَاسَاتَشْوْسِتْسْ تمردت مرتين على هذه القوانين 1684-1689، ولكي تطل
المستعمرات الأمريكية مجالا مفتوحا أمام المنتجات الإنجليزية حرم عليها إنشاء
صناعة الحديد بواسطة البرلمان الإنجليزي في 1750م.
كانت هذه المستعمرات الإنجليزية من حدود كندا الفرنسية، إلى أقصى الجنوب ليست متشابهة، وإنما كانت هناك اختلافات واضحة منذ البداية بين الشمال والجنوب، فقد كان التنظيم في الجنوب ارستقراطيا يقوم على أساس الأراضي المتسعة التي يعمل فيها العبيد المجلوبين من إفريقيا الذين كانوا أكثر عددا من البيض.
وكانت المدن في الجنوب أقل عددا على العكس من الشمال، وكان الشمال - من ناحية أخرى يقوم على أسس ديمقراطية، والأراضي يحتلها ويزرعها البيض، ولهم فيها مدن مطردة النمو، وكبار رجال الأعمال والملاك والعقاريون كان أكثرهم في الشمال، ولكن بصفة عامة كانت الطبقة العليا في كل مستعمرة هي الطبقة المتوسطة من تجار وأصحاب المزارع وبجوارهم قلة من الأثرياء، وعمل هؤلاء التجار والزراع الإنجليز الذين على ابادة أهالي البلاد من الهنود الحمر . و وضعوا الرقيق والزنوج المستوردين من إفريقيا في خدمتهم بغض النظر عن أي حق إنساني لهؤلاء سوى حق الحياة بما يسد الرمق أو أقل.
وكان الحكم في المستعمرة مركزا
على ثلاث قواعد للحکم، المجلس الاستشاري، المجلس التمثيلي، وكان الحاكم يعينه
الملك، وهو قائد الحامية والمسؤول عن الأمن ويرعى مصالح المستعمرين على أن لا يضر
بمصالح التاج، وله الحق في الاعتراض على قرار المجلسين، وإذا كان المجلس الاستشاري
ليست له سلطات قوية، فقد كان المجلس التمثيلي منتخبأ بواسطة الشعب وأشبه بأن يكون
(مجلس العموم) وكانت له صلاحية فرض الضرائب وإمكانية التحكم في رواتب الموظفين
ابتداء من حاكم عام الولاية وبالتالي استطاع أن يفرض المجلس كلمته على الحاكم وأن
يعطي للولاية مظهرا من مظاهر الحكم الذاتي في إطار السيادة الملكية البريطانية.
عبد الفتاح حسن ابوعليه-تاريخ الامريكيتين والتكوين السياسي للولايات المتحدة الامريكية- الطبعة الأولى-دار المريخ للنشر
موجز التاريخ الأمريكي - فرانسيس ويتني و مجموعة من المؤلفين، الطبعة الأولى
نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية - لاري إلويتز