تدبير الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين و فتوحات عهدهم

الخلفاء الراشدون, بالترتيب الخُلفاء الراشدون ،  بعد وفاة الرسول (ص)

جاء عصر الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول (ص) الذي كان فيه بناء الدولة الإسلامية و اتمام الفتوحات الإسلامية شرقا و غربا. و تنظيم المجال الاقتصادي و المالي و انشاء الدواوين. وقد بدأ عصر الخلفاء الراشدين بعد أن تمكنت النخبة المسلمة بعد الخطب الكبير المتمثل في وفاة الرسول، عليه السلام، من إنشاء نظام الخلافة الإسلامية، خاصة وأن محمدا لم يعين في حياته أحدا ليخلفه على رأس الدولة ، وقد تعاقب على المنصب أربعة خلفاء عرفوا ب " الخلفاء الراشدين "، وكانت فترة حكمهم تتمثل في تدبير و توطيد أركان الدولة الإسلامية . 



لقد اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول وتذاكروا فيمن يخلفه. فبعد مذاكرة ومداولة  وأخذ ورد   (خصوصا  بين الأنصار والمهاجرين) تمت مبايعة أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين ، حتى أن بعض المؤرخين يطلق عليها  مشكلة الخلافة  وهي أزمة سياسية كبيرة كادت أن تعصف بلحمة المسلمين قبل دفن الرسول.



أولا: انتخاب أبي بكر الصديق(11-13 هـ) وحروب الردة

لقد عين الأنصار سعد بن عبادة  في اجتماع السقيفة ، ولحق بهم كبار المهاجرين  وكان الاجتماع فيه نقاش كبير كل طرف يحاول اقناع الطرف الآخر بأحقيته في خلافة رسول الله ، من خلال ما قام به  كل طرف  في خدمة الإسلام والدفاع عنه .  ولقد كان للمرجعية القبلية دور حاسم في ترجيح كفة قريش لكي تكون لها الإمارة ، حيث قال أبو بكر الصديق  لنا الإمارة ولكم الوزارة. ، وقد انتهى الأمر  بعد تغلب موقف قبيلة قريش ليكون أبو بكر الصديق أول خليفة بعد رسول الله  سنة  11 هـ ،630 م. وسط اعتراض مرشح الأنصار وفي غياب علي بن أبي طالب الذي كان منشغلا بتجهيز جثمان النبي (ص).




ولما بويع أبو بكر في السقيفة، ثم في اليوم الموالي جلس ..على المنبر فقام عمر فتكلم ...، ثم قال:.." .أيها الناس إن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم لما كان هداه له. وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأولى الناس بأموركم فبايعوه.. فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة .("الطبري "الرياض النضرة في مناقب العشرة").




ورغم قصر مدة حكم أبي بكر الصديق فقد تمكن من جمع كلمة المسلمين، وقضى على خطر الردة في مهدها، ويرمز مصطلح الردة إلى انسلاخ القبائل في شبه الجزيرة العربية عن الإسلام بعد وفاة النبي محمد عليه السلام ، فمن أول الأعمال التي قام بها تجهيزه وتسييره لجيش أسامة  الذي كان قد أقام بمكان قرب المدينة يقال له )ذو خشب(،  فخرج أبو بكر لتوديع الجيش وهو الذي ثبت أسامة قائدا على رأسه، رغم بعض الآراء التي كانت تطالب باستبداله،  فقال قولته المشهورة ".. أن لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا أو امرأة  او شيخا، وأن لا تحرقوا نخلا ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا إلا للأكل.. .". ثم جهز أبو بكر الجيوش لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة وعقد 11 لواء ، وقد جهز خالدا  إلى العراق ومعه المثنى ابن حارثة الشيباني فقاموا ب فتحات بلدان كثيرة، ثم فكر في غزو بلاد الروم فارسل جيشا يقوده أبو عبيدة بن الجراح، وما إن أنهى خالد بن الوليد مهمته في تصفية ثورة مسيلمة واخضاع منطقة اليمامة من جديد  حتى جاءه كتاب من أبي بكر يأمره  أن يترك نصف الجيش بالعراق بزعامة  المثنى ، وأن  يذهب للشام لتعزيز قوة الجيش وأن يتولى قيادته بدلا من أبي عبيدة بن الجراح وقد حققوا النصر. لكن في ظل هذه الظروف بلغهم خبر وفاة أبي بكر الصديق وتولية عمر بن الخطاب مكانه ،    والذي أمر بإرجاع أبي عبيدة بن الجراح إلى منصبه .




هكذا تمكن أبو بكر الصديق من محاربة الخارجين عن الإسلام في" حروب الردة" باليمن والبحرين وحضر موت واليمامة وعمان... وفي هذه الحروب مات عدد كبير من حفظة القرآن،  فأشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن يجمعه في مصحف واحد، وبعد تردد أمر بجمعه من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود، فسلم المكتوب إلى حفصة بنت عمر زوجة الرسول . 




ثانيا : خلافة عمر بن الخطاب (13-23هـ)   

قام أبو بكر الصديق قبل وفاته بمبادرة  تعيين من يخلفه بعد استشارة  كبار الصحابة ، أمثال عبد الرحمان بن عوف وطلحة بن عبيد الله وأسيد بن خضير الأنصاري وسعيد بن زيد فاختير عمر بن الخطاب  نظرا للمواصفات التي يتحلى بها . ومن ثم فإن طريقة مبايعة ثاني الخلفاء الراشدين الخليفة عمر بن الخطاب تختلف عن طريقة مبايعة أبي بكر الصديق التي وقع في شأنها جدل كبير، لكن ظروف وملابسات تراجع حدة التنافس يعود أولا إلى انفراد قبيلة قريش بالحكم ، ثم انشغال كبار الساسة بقيادة المعارك في مختلف المناطق وفي بلاد الروم والفرس، فضلا عن انشغال  قبائل قريش ببناء الدولة، ومن ثم كانت مبايعة عمر بن الخطاب مختلفة تماما ساهم فيها أبو بكر الصديق قبل وفاته. وكان عمر أول من لقب بأمير المؤمنين، وقد اشتهر بالعدل والأمانة وحسن السياسة، وكانت خلافته التي دامت عشر سنوات أعظم فترة  في عصر الخلفاء الراشدين على الإطلاق، إذ توطدت فيها أركان الدولة واستكملت أسسها وانتشر الأمن  والرخاء بسبب جلب الغنائم بفضل الانتصارات في المعارك.




لقد عين الخليفة عمر بن الخطاب أبو عبيدة بن الجراح قائدا على جيش المسلمين في معركة اليرموك في بلاد الشام ، فتحقق فيها النصر وفر الروم ، استجاب أهل دمشق وأهل حمص للجيوش الإسلامية فدخلوا الإسلام صلحا، وفر هرقل من حمص إلى انطاكية. لقد فتح أبو عبيدة بن الجراح مرج الصفر  ومنطقة فحل ، كما فتح دمشق والبقاع وحمص واجنادين وبيت المقدس الذي دخله عمر بن الخطاب فاتحا سنة 16 هـ،  ثم فتحت السواحل السورية  وبذلك تم فتح بلاد الشام بأكملها. ثم كان التوجه بالجيوش إلى مصر فتم فتح الإسكندرية وعين شمس والإسكندرية  ، وبنيت مدينة الفسطاط من طرف عمروا بن العاص،  ثم فتحوا الصعيد والجنوب.




وفي الوقت الذي كانت فيه الجيوش الإسلامية منشغلة بحروب الشام ، كان الفرس قد أخذوا في تعزيز قواتهم من جديد ، فتم إرسال تعزيزات عسكرية إلى المثنى بن حارثة من طرف عمر بن الخطاب، فتم تحقيق الانتصار في معركة النمارق والجسر والبويب والقادسية،  وهذا مؤشر على بداية نهاية دولة الفرس التي فقدت عاصمتها المدائن سنة 16 هـ، و فتح الجيش الإسلامي تكريت وجلولاء والموصل والأهواز. ورغم هذه الانتصارات التي حققها المسلمون في عصر عمر بن الخطاب في الجبهة الغربية والشرقية  والجنود المسلمون  دافعهم الجهاد وإعلاء كلمة الإسلام  والدفاع عنه ، فإن البعض الآخر ممن دخل في الإسلام حديثا ومن غيرهم،  ح  ر  ك   ت ه م الدوافع المادية للحصول على الغنائم. 




ومنذ هذا العهد أضحى للغنيمة شأن عظيم  في فتوحات الدولة الإسلامية التي كانت تقوم بها الدولة الإسلامية .فقد أحدث عمر بن الخطاب الدواوين لأول مرة نقلا عن التنظيم الفارسي وأهمها ديوان الخراج لتقييد مداخيل بيت المال من صدقة وزكاة وجزية وغنائم وخراج ، ثم ديوان الجند لتسجيل أسماء الجنود وتحديد أعطياتهم وأخيرا ديوان العطاء لبيان ما ينوب كل مسلم ومسلمة من العطاء الخارج من بيت المال . وضرب عمر النقود من فئة الدراهم، ينقش عليها عبارة الله أكبر ، الحمد لله، لا إله الا الله وكذا اسم الخلافة. وقسم  البلدان إلى عمالات كبرى ، عين عليها عمالا بلغ عددها في عهدهم 9، وكثيرا ما كان يراقب عماله بنفسه مراقبة شديدة ولم يكن يولي عاملا على ولاية حتى يحسب ما كان يملكه من مال ،  ثم عمر الحصون والمعسكرات الدائمة في الأقاليم واتخذ الحاميات لتأمين دار الإسلام، وقد التزم الضرائب الشرعية  فكان الخراج يفرض على الأرض المفتوحة عنوة،  والجزية تؤخذ من أهل الذمة .أما العشور فهي رسوم تستخلص من التجار الأجانب حسب قيمة سلعهم التي يدخلونها إلى البلاد الإسلامية وتضاف إلى ذلك الزكاة والصدقة والغنائم،  وكان العطاء يقسم على المسلمين حسب السبق في الإسلام .وقد اجتهد عمر بن الخطاب في تطبيق العدالة، ومن ذلك إعفاؤه فقراء أهل الكتاب من دفع الجزية، بل وتخصيص أعطيات لبعضهم، من بيت مال المسلمين وإسقاطه الخراج على الأرض لما يكون المحصول ضعيف سنوات الجفاف. وعين قضاة للحكم ، مثل أبي الدرداء وأبي موسى الأشعري .ومن إنجازاته أن جعل التاريخ الهجري مبدأ للتاريخ الإسلامي، فالنصارى تاريخهم بولادة المسيح عليه السلام، أما تاريخ الإسلام فيبدأ بهجرة محمد عليه السلام من مكة إلى المدينة .




ثالثا : عثمان بن عفان (23-35هـ)

لجأ الخليفة عمر بن الخطاب إلى تدبير مخالف لما سبق في تعيين الخليفة، ذلك أنه لما كبر في السن وخاف الصحابة وفاته طلبوا منه أن يعين من يخلفه فتردد، ثم اقترحوا عليه أن يعين ابنه عبد الله فرفض ،وقيل إنه فكر في علي بن أبي طالب ثم عدل عن الفكرة وقال: «ما أريد أن أتحملها حيا وميتا»، ثم اقترح على الناس ستة مرشحين   سموا "أهل الشورى"، وهؤلاء الستة هم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، ثم أضاف إليهم ابنه عبد الله بصفة مستشار بشرط أن لا يكون له من الأمر شيء .وقد الأمويين تمكنوا من فرض مرشحهم عثمان ابن عفان حين انعقاد "الشورى" وهكذا أصبح عثمان ثالث الخلفاء الراشدين .




واجه الخليفة عثمان بن عفان محاولات الفرس والروم التمرد على فتوحات الدولة الإسلامية  بسياسة تميزت بالحزم وسرعة تحريك القوات المقاتلة، وتمثل ذلك في إخضاع المناطق المتمردة وإعادتها إلى سلطة الإسلام، واستمرار فتوحات الدولة الإسلامية فيما وراء هذه البلاد لقطع المدد عنها، وإقامة قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية المناطق المفتوحة، وإنشاء قواعد عسكرية بحرية لمواجهة الروم خصوصا. وهكذا أضافت فتوحات الجبهة الشرقية بلادا جديدة في أرمينيا، وأجبرت من نقض العهد على الصلح من جديد في فارس وخراسان، وأضافت فتوحات جديدة في بلاد السند وكابول وفرغانة. 




وفي الجبهة الغربية، نقضت أهل الإسكندرية عهدهم سنة 25هـ، فسار إليها عمرو بن العاص، وقاتل أهلها وأجبرهم على الخضوع من جديد. وتوغلت القوات الإسلامية غربا بعدما نالت موافقة الخليفة عثمان للإستمرار ب الفتوحات الإسلامية غربا، وأرسل عبد الله بن سعد بن أبي سرح على رأس قوات، فاجتاز طرابلس، واستولى على سفن للروم كانت راسية هناك على الشاطئ، ثم واصل سيره في إفريقية والتقى بجيوش البيزنطيين عام 27هـ في معركة سبيطلة، وفي الوقت نفسه توجه عبد الله بن سعد جنوبا لمواجهة تحركات أهل النوبة.




وفي الجبهة البحرية تمكن معاوية بن أبي سفيان من انتزاع موافقة الخليفة عثمان بغزو البحر بعد الرفض المتكرر الذي كان  يبديه عمر بن الخطاب  ق بل ذلك. غزا معاوية قبرص سنة 28هـ وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار يؤدونها للمسلمين سنويا، وفي سنة 31هـ دارت بين المسلمين والروم معركة بحرية حاسمة، وهي التي تعرف بذات الصواري.




رابعا: علي ابن أبي طالب 35-40هـ  

قتل الخليفة عثمان بن عفان في ظروف من الهرج والفوضى بصمت هذا العصر وبايع الناس علي بن أبي طالب و أصبح رابع الخلفاء الراشدين، واستطاع علي بن أبي طالب أن ينتصر على طلحة والزبير في معركة الجمل، لكنه لم يتمكن من فرض سلطته على معاوية بن أبي سفيان وحزبه الأموي الذي خرج للطلب بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان.




وقد أفضى الصراع بين علي ومعاوية إلى عقد "التحكيم." ونص كتاب التحكيم على اتفاق الحكمين نيابة عن علي ومعاوية على الاحتكام إلى كتاب الله وإيقاف القتال، وضر  با أجلا لإصدار الحكم في رمضان سنة 37 هـ. وتقول الرواية الشهيرة إن الحكمين اتفقا على أن يعزلا كلا علي ومعاوية ويختار المسلمون غيرهما. غير أن عمرو بن العاص احتال على أبي موسى الأشعري ودفعه ليخطب أولا وليعلن نتيجة الاتفاق بخلع المتخاصمين علي ومعاوية، وبعد ذلك قام هو ليقول إنه يخلع علي كما خلعه صاحبه ويثبت صاحبه معاوية، وبغض النظر عن الطابع المسرحي الذي عرضت به الرواية فإنها أسفرت عودة علي وجيشه إلى الكوفة في فوضى وتمزق: "خرجوا مع علي إلى صفين وهم متوادون أحباء، فرجعوا متباغضين أعداء...". وبذلك انفصلت مجموعة من القبائل عن علي وشكلوا ما سمي بفئة "الخوارج "ودارت الحرب بينهم وبين علي، إلى أن تمكن عبد الرحمن بن ملجم من اغتيال علي بن أبي طالب سنة 40هـ.




خريطة الفتوحات الإسلامية حتى أواخر عهد الخلفاء الراشدين, الفتوحات الإسلامية, الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين





بتصرف من محاضرة الأستاذ حميد اجميلي : تاريخ الاسلام من صدر الاسلام الى العصر العباسي. جامعة بن طفيل القنيطرة. المغرب.

.

تعليقات