تربع المرابطون على كرسي الحكم قرابة قرن ، وكان يمكن أن تستمر دولتهم لزمن أطول لولا مجموعة من الأسباب والعوامل التي أدت إلى سقوط دولة المرابطين. وسنسحضر في هذا الموضوع الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة المرابطية :
1- اتساع نفوذ الفقهاء المالكيين
من المعلوم أن سياسة المرابطين قامت على تعاليم مذهب الإمام مالك ومؤسسو الدولة الأولون هم تلاميذ لأبي عمران الفاسي وعبد الله بن ياسين ، فالأول كان على رأس المالكية بالقيروان ، والثاني درس على المالكية بقرطبة وأتم دراسته على وجاج بن زلو اللمطي، فلا غرابة أن يتشبع ملوك المرابطين بتعاليم المذهب المالكي ، وأن يحترموا فقهاء هذا المذهب حتى لا يصدروا إلا عن رأيهم فالفقهاء هم الذين استقدموا المرابطين للجهاد بالأندلس . وحينها فکر على في تسوير مراکش استفتی الفقهاء بالمغرب والأندلس ، وعندما قرر أن يغرب النصارى المعاهدين. بغرناطة إلى المغرب ، استصدر في ذلك فتوى من القاضي ابن رشد .
وفي الأندلس ، اتفق فقهاء قرطبة على إغراء علي بن يوسف باحراق كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ، ولما كان صاحب هذا الكتاب يحاول التوفيق بين الفقه وعلم الكلام ، ويتخذ المنطق سبيلا إلى تحليل المعتقدات بينما يتعصب فقهاء المالكية بقرطبة لكل ما ينتسب إلى مذهب مالك من غير أي مناقشة ، فقد تزعم حركة الفقهاء المضادة ، القاضي ابن حمدين ، فكفر كل من قرأ الكتاب المذكور ، واستصدر علي فتوى من الفقهاء بأحراق الكتاب في الأندلس والمغرب ، وكان خلع يوسف بن تاشفين الملوك الطوائف بفتوى من الفقهاء أيضا . ولم يرتفع صوت قوي يعارض هذا التحجر في التفكير والمعتقد أو يضع جدا للتضييق على حرية المذاهب ، حتى ظهر المهدي بن تومرت .
-2 ظهور الموحدین
برزت حركة معارضة فقهاء المالكية والمذهب المالكي نفسه ، في شخص المهدي ابن تومرت الذي لقن رفاقه تعاليمه الجديدة ولم بهتم علي بن يوسف بأمر هذا الرجل وحرکته رغم نصائح مالك بن وهيب الذي كان يجالسه وقد فشل المهدي في الاستيلاء على مراكش ، ولكن خلفه عبد المومن الكومي تمكن من قهر المرابطين واقتحام عاصمتهم بعد أن استولى على قسم كبير من المغرب .
3-اختلال الأوضاع في المغرب والأندلس
بدأ استبداد
الأمراء المرابطين بتجلى منذ عهد علي ، وتدخلت النساء في الشؤون السياسية ؛ وفسدت
الأخلاق بسبب ميل المرابطين إلى الحضارة بعد احتكاكهم بالأندلسيين ، وإن ظل الملوك
أنفسهم بعيدين عن هذا الفساد ، فإن عليا كان لينا في سيرته بشتغل بالعبادة والصلاة
في قصره . ولم تكن هناك حركة تكتل واسعة ولو في دائرة صنهاجة المغرب، للحلول دون
زحف الموحدين ومع ذلك فقد كانت هناك مقاومة عنيفة أبداها سكان بعض المدن على
انفراد کسبنة برياسة القاضي عياض ، وفاس برياسة ابن أبي بكر الصحراوي . ولم يستنجد
المرابطون بجيشهم في الأندلس في الوقت المناسب ، بالاضافة إلى أن النصارى قد
استطاعوا أن يتوغلوا في أرض المسلمين ، وانتهز سكان الأندلس فرصة اضطراب الأحوال
بالمغرب فطردوا ولاة المرابطين وتوزعوا مدن البلاد فيما بينهم .
حركات إبراهيم، المغرب عبر التاريخ، الجزء الأول، نشر وتوزيع دار الرشاد الحديثة، الطبعة الثانية 1994. ص169-170 بتصرف