لعبت الممالك الامازيغية ادوار مهمة في الأحداث الكبرى الجارية بين أعظم دولتين في البحر الأبيض المتوسط و هي قرطاج و روما. و اختلفت ادوارهم في الحروب البونية أو البونيقية التي جرت بين القرطاجيين و الرومان، حيث نجد مملكة تساعد الرومان ضد قرطاج و أخرى تفعل العكس . فما هي اصول و اسباب الحروب بين قرطاج و روما؟ و ما دول الممالك الأمازيغية فيها؟
السياق التاريخي للحروب البونية
بعد أن بسطت حضارة روما نفوذها على إيطاليا لم تكن مطمئنة لوجود المستعمرات اليونانية في الجنوب؛ لسلامتها من جهة ورغبتها في مواصلة التوسع من جهة أخرى، فخيرت "المدن اليونانية العظمى" (Magna Graecia) بين الحرب وبين محالفتها حلفاً تقر فيه لروما بالزعامة، وابتلعت المدن الإغريقية والجزر الواحدة تلو الأخرى كما سنرى.ثم بدأ الاحتلال الروماني يتطلع لاحتلال أراضي شمال أفريقيا خصوصا بعد أن سيطروا على معظم شبه الجزيرة الإيطالية، وأصبحت لهم بذلك ممتلكات في جنوب الجزيرة تواجه مناطق النفوذ القرطاجي في البحر الأبيض المتوسط.
كان هذا الصراع تسبقه علاقات أقرب إلى الود منها إلى الخلاف، بدليل المعاهدات التي أبرمت بين الطرفين قبل ثلاثة قرون من اندلاع الحرب؛ بهدف تحديد منطقة نفوذ كل منهما أولاً، ثم الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما في مجال ممارسة النشاط التجاري ثانياً، ويرجع تاريخ أول معاهدة إلى عام 508 ق..م.، تلاها عدد من المعاهدات كان أهمها معاهدة عام 306ق.م.؛ والتي كانت تحد من نشاط كل طرف في منطقة نفوذ الآخر وتحديداً في مناطق الصدام، فقد حرّمت هذه الإتفاقية على قرطاج أن تتدخل في إيطاليا مقابل أن تمتنع روما عن التدخل في جزيرة صقلية المواجهة للطرف الجنوبي لشبه الجزيرة الإيطالية والتي تعتبر منطقة نفوذ قرطاجي،وكانت أخر معاهدة بينهما عام 278 ق.م. أثناء غزو "بيروس" (Pyrrhu)، ملك مدينة "إبيروس"(Epirus) اليونانية، لإيطاليا ثم صقلية والتي كان من أهم بنودها ألا تكون لقرطاج قوات دائمة في إيطاليا بعد مشاركتها في الحرب ضد "بيروس" هناك، وأن تعمل على عرقلة الإغريق في جزيرة "صقلية" ومنعهم من مساعدة "بيروس" في إيطاليا ضد روما.
الحروب البونيقية
بعد هزيمة "بيروس" وطرده من "صقلية" وعودته إلى بلاد اليونان، وجد الرومان أنفسهم لأول مرة على أرض خارج إيطاليا وفي مواجهة العدو الحقيقي لهم وهو القرطاجيون، وقد دفعت الأحداث التي وقعت في صقلية بعد ذلك بالطرفين إلى الصراع، وكان السبب غير المباشر للحرب هو الصراع من أجل صقلية، أما السبب المباشر فكان الحادثة الشهيرة التي حدثت في مدينة "ميسينا" الواقعة على أقرب سواحل صقلية لإيطاليا، والتى جعلت الرومان والقرطاجيين في المواجهة، ونتج عنها اندلاع الحرب البونية الأولى التى دارت أحداثها في جزيرة "صقلية" وكانت من أجل الجزيرة، واستمرت من عام 264ق.م. إلى عام 241ق.م.، بدأتها روما بشن هجوم على جزيرة "صقلية" بدعوى أن قرطاج تعد العدة للهجوم عليها. ولم تكن قرطاج في الواقع تميل للدخول في صراع مع روما فلم ترد الفعل بشدة، ولم يكتف الرومان بحرب صقلية، فشنوا هجوماً بحرياً على بعض الجزر التابعة لنفوذ القرطاجيين منها؛ "كورسيكا" و"ساردينيا"، و" ليباري" في الفترة من 259 إلى 258ق.م.
حقق الرومان نصراً نهائياً على القرطاجيين في صقلية عام 241ق.م. وانتهت أحداث الحرب البونية الأولى التي خسر فيها الطرفان الكثير من الجنود والسلاح والأموال وكانت خسارة القرطاجيين أكبر؛ لذا قبلوا شروط الصلح مع الرومان والتي قضت بجلائهم عن صقلية والجزر الواقعة بين صقلية وإيطاليا ودفع غرامة حربية تدفع على أقساط لمدة عشر سنوات، وأُعلنت "صقلية" في نفس العام(241 ق.م.) ولاية رومانية، وكانت أول ولاية رومانية خارج إيطاليا.
في الفترة من نهاية الحرب البونية الأولى عام 241ق.م. وحتى اندلاع الحرب البونية الثانية عام 218ق.م.؛ واجهت قرطاج عدة أزمات، منها ثورة الجنود المرتزقة الذين تم تسريحهم من الجيش القرطاجي المحارب بصقلية بدون دفع المرتبات التي سبق وأن وعدهم بها قائدهم "هملكار باركا" ، وقد استمرت ثلاث سنوات (241ق.م.-237ق.م.). ولكنه استطاع الانتصار عليهم. وبعدها اندلعت ثورة مرتزقة قرطاج في جزيرة "سردينيا" بتحريض روما التي أرسلت قواتها لاحتلال المراكز القرطاجية في الجنوب الغربي من الجزيرة، ولما شرعت قرطاج في شن حرب ضد الجنود المرتزقة في الجزيرة؛ اعتبر مجلس الشيوخ الروماني ذلك عملاً عدائياً منها، وأعلن عليها الحرب؛ إلا أنها آثرت السلم بشرط أن تتنازل للرومان عن جزيرتي "سردينيا" و"كوريسكا"، وأن تدفع تعويضات مالية إضافية.قبلت قرطاج شروط السلم على مضض، وأضحت جزيرتا "سردينيا" و"كوريسكا" عام 237ق.م. تحت السيطرة الرومانية ، ثم أصبحتا بعد ذلك في عام227ق.م. ولايتين رومانيتين كما أورد ذلك المؤرخ الإغريقي "بوليبيوس".
تقلصت تجارة قرطاج بفقدها لجزر "صقلية" و"سردينيا" وكوريسكا"، فتعرضت لأزمة اقتصادية نظراً لاعتمادها على التجارة، مما دفع بالحكومة لمحاولات الإصلاح وتعويض الخسائر ولم يجد القرطاجيون أمامهم أهم من "أسبانيا"، ومن أجل ذلك أرسلوا قائد القوات القرطاجية "هملكار باركا" سنة 236ق.م. لاستغلال مناجم الفضة، وخاض هناك عدة معارك كانت نتيجتها أنه احتل أجزاء من اسبانيا، واستطاع أن يعيد لقرطاج ازدهارها الاقتصادي حتى وفاته عام 282ق.م.، ومن بعده واصل "هزدربعل" (Hasdrubal) (228-221ق.م.) نفس سياسته في اسبانيا وهي تأسيس الموانئ والمراكز التجارية . أنشأ مدينة هامة هناك ذات موقع بحري تجاري ممتاز.تمتد شمالاً حتى نهر"الإيبرو" (Ebro، و تقع في قلب المنطقة الغنية بمناجم الفضة ، وقد حملت اسم "قرطاجنة" / قرطاجة الجديدة (Carthago Nova) تميزاً لها عن قرطاج الأصلية .
أصبحت قرطاجة الجديدة منطقة نفوذ القرطاجيين في أسبانيا، ولكن الرومان ألزموا "هزدربعل" بعدم تجاوز النهر لتخوفهم أن يعقد القرطاجيون التحالف مع الغاليين(سكان بلاد الغال المجاورة لأسبانيا) خاصة بعد قيام "هزدربعل" بعدد من العمليات الحربية بهدف التوسع في أسبانيا، وقد انتهي الأمر باغتياله عام 221ق.م. في أسبانيا.
في المرحلة الممتدة بين سنتي237-221ق.م.نجح القائدان القرطاجيان" هملكار" و"هزدربعل" في تكوين جيش من خمسين ألف رجل ،وفي إحكام السيطرة على ما يزيد عن نصف شبه الجزيرة الأسبانية، وتكوين عدد من الموانئ والمستوطنات أو توسيعها ، ومنها: مدينة "قادس" و"أمبورياس" (Ampurias) و"أليكانت" (Alicante)و"فالنس" (Valence).
تولى قيادة حضارة القرطاجيين بين سنتي(221-218ق.م.) ابن "هملكار بركا" المشهور تاريخيا ،وهو "هانيبال/ حنبعل" الذي شرع منذ اليوم الأول في تنفيذ وصية أبيه للانتقام من الرومان وأيضا الثأر لمقتل هزدربعل. فعندما تولى القيادة في "أسبانيا" ، انتهز "هانيبال" أول فرصة لإشعال الحرب لما كانت روما لا تزال مشتبكة مع بلاد الغال(فرنسا حالياً) . وكانت الشرارة أو السبب المباشر لاندلاع الحرب بينه وبين الرومان هي هجوم القرطاجيين على المدينة الاسبانية "ساجونتوم"( (Saguntum حليفة الرومان ، وبذلك بدأت معارك الحرب البونية الثانية بين سنتي 218-201ق.م.، والتي دارت معاركها في كل من إيطاليا وافريقيا
.
حقق "هانيبال" انتصاراً هاما على الرومان في حرب اسبانيا، و شجعه هذا الانتصار على عبور "نهر الإيبرو" بهدف الزحف على إيطاليا براً ،فخرقً بذلك التزام القرطاجيين بعدم عبور النهر.خاض هناك عدة معارك ، واستطاع بحنكته أن ينتصر في معظمها، إلا أن انقطاع الإمدادات وتناقص عدد قواته بسبب المعارك المتتالية، حالت بينه وبين مواصلته للقتال . انهارت قوته شيئاً فشيئاً، مما شجع الرومان للعمل على استعادة ما فقدوه في إيطاليا.
لقد نجح القائد الروماني "بوبليوس كورنيليوس سكيبيو/ سيبيون الإفريقي" ، كذلك في الاستيلاء على جميع المدن التابعة لقرطاج في اسبانيا ، وعاد لروما عام 206ق.م. ، حيث كان لا يزال "هانيبال" في إيطاليا، مما دفع"سكيبيو" للتفكير في نقل الحرب إلى أفريقيا وذلك ليرغم غريمه لمغادرتها والذهاب لنجدة قرطاج. أراد "سكيبيو" تحقيق النصر على القرطاجيين في عقر دارهم، ونزل بقواته بالقرب من مدينة "أوتيكا" في سنة 204ق.م.
الممالك الامازيغية وسط الصراع
لقد انحاز ملك نوميديا الشرقية "ماسينيسا" للرومان ، بينما كان ملك نوميديا الغربية "سوفاكس" منحازاً للقرطاجيين؛ لكنه فاوض الرومان في نفس الوقت من أجل السلام. وافق "سكيبيو" على عقد الصلح شريطة أن يوقف "سوفاكس"العمليات الحربية من أجل التفاوض وطالب القرطاجيين بعودة "هانيبال" من إيطاليا .عاد بالفعل عام 203ق.م. للتفاوض مع الرومان الذين رفضوا عرض قرطاج بتخليها عن "أسبانيا" والجزر التابعة لها وهو أخر ما كانت تملكه قرطاج خارج أفريقيا.فرض على القرطاجيين حلَ الأسطول القرطاجي والاحتفاظ بعشرين سفينة فقط، وذلك مقابل اعتراف الرومان لقرطاج بالسيطرة على أفريقيا.
ونظرا لعدم توصل الطرفين القرطاجي والروماني لتوافق يرضيهما ، اندلعت نيران الحرب الأخيرة في هذه الجولة والتي دارت بالقرب من مدينة "زاما" (Zama)عام 202ق.م،وانتصر فيها الرومان بقيادة "سكيبيو" معززين بقوات الملك "ماسينيسا"، مما دفع القرطاجيين لطلب الصلح.وقعت الاتفاقية بين الطرفين في نفس السنة وعرفت باتفاقية "زاما"، وكانت بنودها مجحفة للقرطاجيين.تنص الاتفاقية على أن تحتفظ قرطاج بترابها الافريقي بشرط ألاّ تشن حرباً على أي من جيرانها بدون إذن من روما، وأن تتنازل لـ"مسينيسا" عن مقاليد السيادة على البلاد النوميدية، وتتنازل قرطاج عن فيلتها وأسطولها ما عدا عشر سفن ثلاثية، وتسليم كل ما لديها من غنيمة، ودفع غرامة حربية تدفع منها قسطا في الحال قبل أن يتوقف القتال، والباقي أقساطاً على مدى عشر سنوات،وعليها أن تسلم "هانيبال" عدو روما . ولم يكن أمام القرطاجيين سوى قبول شروط الصلح القاسية ،وتوقيع الاتفاقية في مطلع عام201 ق. م. أما بالنسبة لـ"هانيبال"الذي لم يتحمل تلك الهزيمة فقد ذكر المؤرخ "أبيان" بأنه فرّ إلى"آسيا الصغرى"؛ وأنهى حياته منتحراً بالسم سنة 183 ق.م. بدلا من أن يقع في أيدي الرومان. أما "سكيبيو" فقد عاد إلى روما، وأقيم له موكب النصر، ومنح لقب "الأفريقي" وأصبح يعرف باسم "سكيبيو الأفريقي" تخليداً لانتصاره على "هانيبال".
أما القرطاجيون فقد استطاعوا بفضل تجارتهم أن يحسنوا الوضع الاقتصادي الذي انهار بعد الحرب، وأن يسددوا للرومان ما كان عليهم دفعه طبقاً لبنود اتفاقية زاما، لكن أطماع جيرانهم النوميديين وملكهم "ماسينيسا" حالت دون استقرار الأوضاع لأن ماسينيسا كان يحلم – بلا شك - بإنشاء إمبراطورية تمتد من المحيط الأطلسي غرباً حتى حدود مصر شرقاً ، و أن تكون عاصمتها قرطاج.
في أعقاب الحرب البونية الثانية تغيرت معالم مملكة نوميديا، إذ اتسعت مملكة "ماسينيسا" (نوميدياالشرقية) على حساب مملكة"سوفاكس" (نوميدياالغربية) بحيث امتدت من مدينة "سيجا"(Sigga) في الغرب حتى حدود "قرطاج" في الشرق، وإن ظلت بعض المناطق من المملكة الغربية تحت سيطرة "فيرمينا" (Vermina) أحد أبناء "سوفاكس" منذ سنة 202 ق.م. ، وكذلك "أركوباز" (Arcobaz)الذي حكم إمارة صغيرة في نوميديا الغربية، امتدت من شمال الصحراء الكبرى حتى أراضي قبائل الجيتول ، والتي سيطر عليها "مسينيسا" فيما بعد.
ظل "ماسينيسا" على مدى نصف قرن ،أي منذ نهاية الحرب البونية الثانية، يمارس تجاوزاته على أراضي قرطاج على أمل ضمها لمملكته ، يؤيده في ذلك حلفاؤه الرومان. ولم تعد قرطاج تملك سوى الشكوى لمجلس الشيوخ الروماني، وكانت روما عادة ترد بإرسال وفد من المجلس للتحقيق في الأمر الذي كان ينتهي كل مرة لصالح "ماسينيسا".
ونظراً لهجوم "مسينيسا" المتكرر على أراضي القرطاجيين، قرر هؤلاء عام150 ق.م. الرد عليه دون أن يستأذنوا روما، وهو ما اعتبره الرومان خرقاً واضحاً لأحد أهم بنود اتفاقية "زاما" والذي كان ينص على أن لا تشن قرطاج حرباً على أي من جيرانها بدون إذن روما، وهي الذريعة التي حفز بها الرومان "ماسينيسا" لاستفزاز قرطاج من أجل جرها إلى خرق هذا البند من الاتفاقية وليكون سبباً مباشراً لإعلان الحرب عليها.
لم يكن هذا القرار سهلاً علي الرومان، فقد حدث جدل داخل مجلس الشيوخ الروماني حوله، ونجح "كاتو"(Cato)- المزارع النبيه والمحامي الضليع والخطيب المفوه- في إقناع أعضاء المجلس باتخاذ قرار الحرب وتبني سياسة الدعوة إلى تدمير "قرطاجة" نهائياً بجملته الشهيرة(Carthago Est Delenda) "لابد أن تدمر قرطاجة" ومما شجع الرومان على ذلك، عدم استقرار الأحوال الداخلية في قرطاج، والصراع على الثروة بين أفرادها.
أذعنت روما لذلك ، وأرسلت قوات رومانية بقيادة"سكيبيو أيميليانوس"/سيبيون الإيميلي. نزلت هذه القوات في مدينة "أوتيكا"وهي من أهم مدن الإقليم، ونظراً لضعف موقف القرطاجيين، فقد أملى عليهم "سكيبيو" شروط الرومان، وكان أولها تسليم عدد من الرهائن والأسلحة. واستجابوا لهذه الشروط، ماعدا الشرط الأخير، وهو إخلاء مدينة قرطاج ودفع القرطاجيين للداخل في منطقة تبعد خمسة عشر كيلو متراً على الأقل عن الساحل.
وقد أدرك الرومان أن قرطاج لن تقبل بهذا المطلب الأخير، لأن بُعد القرطاجيين عن البحر يعني تخليهم عن مصدر ثرائهم وهو التجارة، بالإضافة إلى تخليهم عن منازلهم ومعابد الآلهة وقبور الأجداد؛وبالفعل رفض القرطاجيون هذا الشرط، وقرروا خوض الحرب من أجل مدينتهم وحريتهم. فاندلعت الحرب البونية الثالثة التي دامت ثلاث سنوات (149ـــ ـ146 ق.م.) من حصار الرومان للمدينة ، عاني فيها القرطاجيون وتحملوا الجوع، وعاشوا تجربة مريرة.
الملك ماسينيسا يرسخ قدم روما بأرض الشمال الإفريقي القديم
توقع القرطاجيون مع بداية الحرب البونية الثالثة مساندة ملك نوميديا "ماسينيسا" بعد أن تغير موقفه من الرومان ، لأنه مع بداية الحرب تغيرت مشاعره اتجاههم ، بل كان في قمة غضبه عندما رأى الرومان قد جاءوا ليجنوا ثمرة جهده الطويل ونصره الأخير على قرطاج. بحيث هو الذي أضعف قوة قرطاج واستولى على معظم أملاكها.
يبدو حسب المتخصصين في الموضوع ، بأن الرومان كانوا يعتبرون "مسينيسا" أداة لإضعاف قوة قرطاج ووسيلة لإعلان الحرب عليها. والمرجح كذلك أن الرومان قد خشوا من زيادة نفوذه ، فلم يخبروه بمشاريعهم ، على عكس ما كانوا يفعلوه في الحروب السابقة ضد قرطاج، ولهذا كانت مساعدة "مسينيسا" لهم في هذه المرة أقل مما توقعه الرومان، لكنها على أية حال كانت أحد الأسباب التي ساعدت في سقوط قرطاج .
مرض "ماسينيسا" مرضاً شديداً، بعد السنة الثانية من الحرب البونية الثالثة عام 148ق.م. وكان وقتها في عاصمته الجديدة"سيرتا"/قسنطينة (Cirta) ؛ فاستدعى صديقه"سكيبيو أيميليانوس" ليكون حكماً بين أبنائه من أجل تقسيم المملكة، لكن "ماسينيسا" مات قبل وصول "سكيبيو" بيومين،وترك"ماسينيسا" ثلاثة أولاد شرعيين؛ وهم "ميسيبسا" (Micipssa) و"مستنبعل" (Mastanbal)و"غولوسا" (Gulussa)؛ وابن أخ وهو "يوغرطة"وأوصاهم "مسينيسا" بقبول تحكيم "سكيبيو" الذي منح"مسيبسا"، وهو أكبرهم سناً؛ السلطة الإدارية، و"مستنبعل"؛ السلطة القضائية، و"غولوسة"؛ السلطة العسكرية وقيادة الجيش .كانت فترات حكم أبناء "ماسينيسا" هي : حكم "مسيبسا" من عام ( 148 إلى عام 118 ق.م.)، و"غولوسة" من عام (148 إلى عام 140 ق.م.)، و"مستنبعل" من عام (148 إلى عام 140 ق.م.).ولكن الحكم سيؤول ليوغرطة ،وذلك منعطف آخر سينتهي بهزيمة صديق الروما يوغرطة وخضوع راضيه لنفوذهم
لنعد لمجريات الحرب البونية الثالثة. لقد رأى "سكيبيو" أن مهمته الأولى هي إحكام الحصار على قرطاج، بغرض قطع كل الإمدادات عنها، وبعد أن تأكد له بأن الحصار أنهك القرطاجيين هاجمت قواته سنة 146ق.م. المدينة، فنهبتها وأشعلت فيها النيران، وسوت مبانيها بالأرض، وبيع ما تبقي من سكانها في أسواق العبيد بروما.اختفت قرطاج من الوجود تماما، ثم حل أحد رجال الدين الرومان بأرض قرطاج، ولعنها باسم الآلهة الرومانية، ولعن من يسكنها من جديد. وأصبح الإقليم الذي كان تحت سيطرة القرطاجيين منذ بداية الحرب البونية الثالثة في أيدي الرومان،حيث حولوه في نفس السنة التي سقطت فيها قرطاج إلى ولاية رومانية، أطلقوا عليها اسم "ولاية أفريقيا الرومانية"(provincia Africa Romona)وكانت هي أولى ولاياتهم في أفريقيا، وسادس ولاية رومانية بعد ولايات "صقلية"، "ساردينيا"، "كوريسكا" "أسبانيا القريبة البعيدة"، "مقدونيا".
وإذا كان اليونانيون من قبل قد أطلقوا اسم "ليبيا" على المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً. فان الرومان هم أول من استخدم تسمية أفريقيا بعد سقوط قرطاج؛ وأطلقوه على اسم الولاية التي أقاموها على أنقاضها ، ولربما اشتقوا تلك التسمية من اسم إحدى الألفاظ المحلية؛ وهي "افري"(Afri) (الكهف) وأصبح الاسم يطلق بعد ذلك على القارة بأكملها.
البضاوية بلكامل، محاضرات حول تاريخ شمال إفريقيا( لفائدة طلبة الإجازة والماستر والدكتوراه ) ، منذ 1988.
أبو بكر سرحان،مجتمع شمال إفريقيا تحت الاحتلال الروماني 27 ق.م – 235 م. ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ،جامعة القاهرة ،مطبعة نور (؟).