حقق الفينيقيون خطوة كبيرة في السفن و الملاحة البحرية والتي كانت حتى الألف الثاني قبل الميلاد مقتصرة على الملاحة النهرية فقط ،وخصوصاً في نهر النيل ،واعتبروا لذلك أول من أسس قواعد الملاحة البحرية ،بل أفضل البحارة الذين توغلوا في البحر المتوسط ،ومنه وصلوا إلى المحيط الأطلسي.استعمل الفينيقيون في بداية اكتشافهم للملاحة سفنا صغيرة ، كانت تنتقل من منطقة إلى أخرى بالقرب من الساحل ، ويطلق على هذه الرحلة اسم " المساحلة " أو الملاحة قرب السواحل ( Le Cabotage ).
لم تكن المسافة التي تفصل بين ميناءين تتراوح 25 إلى 30 ميلا بحريا (560, 55 كلم ) . أما النوع الآخر من الملاحة الذي تشكل بالتدريج، فتمثل في الملاحة بأعالي البحار على متن سفن تجارية ذات حجم كبير. كانت هذه السفن - في البداية - عبارة عن زوارق كبيرة ذات طرفين مرتفعين، تتميز بسعة كبيرة تسمح لها بنقل حمولة أكبر، وتسير بواسطة الأشرعة والمجاديف. استخدموا القار لطلي غواطس السفن بعد إجراء عملية جلفطة الشقوق ( Calfatage ) ، مما أدى إلى إحكام سد شقوق السفن وتقوية الغاطس بداعمة صلبة . . وكان ربابنة هذه السفن يسترشدون ليلاً بالنجوم ،ونهارا بالرياح وبالشمس لأنهم يعتمدون على الرؤية بالعين المجردة، إضافة لاستعمال مؤشرات أخرى كالرطوبة ، واتجاه التيارات البحرية ...
سرعة السفن ووسائل التعرف على اليابسة
تراوحت سرعة (vitesse) السفن ما بين اثنين إلى ثلاثة عقد في الساعة ( Noeuds) ، وكان بمقدورها قطع مسافة ( distance) خمسين ميلاً ( 50 ميلاُ ) بحرياً في اليوم، أي ما يعادل ( 90 كلم ) ، وبهذا يمكن الوصول إلى السواحل الآمنة قبل حلول الظلام . ولمعرفة البحارة المسافة بين سفينتهم واليابسة كانوا يرسلون طائرا من نوع الجوائم ( Passereau ) يتميز بالتحليق لمسافات قصيرة وإن لم يجد اليابسة يعود إليهم. فضلوا الانتظار في أحد الموانئ ،أو الإبحار في فصل الربيع والصيف وذلك لاعتدال البحر وهدوئه ، بعكس فصل الخريف والشتاء الذي تكثر فيهما العواصف والرياح.
خرائط وتقارير الملاحة وأسباب عدم وجودها
. لم يعثر الأثريون على دليل مكتوب يمثل الخرائط والمسالك التي تحدد طرق الفينيقيين البحرية، ولا مدونات تحمل علومهم الملاحية ،ولا تقارير ، خاصة وأنهم قاموا بالعديد من الرحلات البحرية التي تتطلب وجود تلك الخرائط والتقارير لمعرفة طرقهم ومتابعة مسيرتهم ، على الرغم من المدى الذي وصلوا إليه في فنون الملاحة .يرجع بعض الباحثين خوف وحرص الفينيقيين الشديدين من منافسيهم ، وبخاصة الإغريق .يحكى أنه في إحدى رحلات الفينيقيين البحرية عمد مركب روماني ترصدهم لاكتشاف مصادر معدن القصدير، غير أن قبطان المركب هرب منه ، وأخذ يضلله حتى وصل إلى شاطئ صخري مغمور بالمياه فتحطم مركبه ، ويقال بأن الحكومة عوضته .ويؤكد الجغرافي الإغريقي سطرابون بدوره تستر الفينيقيين على طرقهم البحرية ،يقول : " كان القرطاجيون يغرقون سفينة أي أجنبي يبحر قرب بلادهم متجهاً إلى ساردو ( سردينيا ) أو نحو الأعمدة ( أعمد هرقل )
البضاوية بلكامل، محاضرات حول تاريخ شمال إفريقيا( لفائدة طلبة الإجازة والماستر والدكتوراه ) ، منذ 1988.