خضع المغرب خلال عهد الحماية الفرنسية لمظاهر إستغلال كبيرة قامت على أساس التغلل المالي ونهب الثروات وتوطين المعمرين ،كما إتخذت أشكالا أخرى كانت لها إنعكاسات سلبية على الإقتصاد والمجتمع المغربيين ،وتطرقت قلة من الكتابات التاريخية للقضايا الإقتصادية والإجتماعية والنقابية التي أفرزتها السيطرة الإستعمارية.
ومن بين تلك الكتابات ،كتاب المغرب والإستعمار ،حصيلة السيطرة الفرنسية ،لمؤلفه ألبير عياش ،وهو من مواليد تلمسان1905،وإلتحق بالمغرب أستاذا للتاريخ والجغرافيا بوجدة ثم الدار البيضاء ،كما إنخرط في العمل النقابي الذي أهله ليصبح مناضلا وباحثا مهتما بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ،و قد تعرض في سنة 1953للطرد من المغرب ،ليستقر في باريس ، حيث عزم على تحضير أطروحة جامعية في موضوع الطبقة العاملة المغربية ،لكن رغبته إصطدمت بتحفظ الجهاز الجامعي الفرنسي ،فتحول المشروع الأصلي إلى صيغته الحالية ،التي قدمها وترجمها ،عبد القادر الشاوي ،نور الدين سعودي ،إدريس بنسعيد،عبد الأحد السبتي ،وانطلاقا من فهرس الكتاب الذي يتكون من ستة أقسام تنقسم بدورها لفصول ،يمكن إنجاز قراءة في هذا الكتاب ،وذلك عبر طرح التساؤلات التالية .ماهي أليات ووسائل الإستغلال الإستعماري في عهد الحماية ؟ماهي مظاهره ؟ماهي أثاره على الإقتصاد والمجتمع المغربيين ؟
-الأليات والوسائل المعتمدة من طرف الحماية لتسهيل الإستغلال
عمد المؤلف في القسم الأول من الكتاب إلى إعطاء
لمحة موجزة لتاريخ المغرب إلى حدود توقيع معاهدة الحماية ،وإلى عرض أجهزة ومؤسسات
هذه الأخيرة ،ليبرز في القسم الثاني وبالضبط في الفصلين الثاني والثالث ،الأليات
والوسائل المعتمدة من طرف الحماية لتسهيل الإستغلال والمتمثلة بالأساس في
●الوسائل المالية :
في سنة1907 تم إستحداث البنك
المخزني،تنفيدا لمقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء وعهد لهذا البنك المشكل في غالبيته
من رساميل فرنسية بمهمة تقديم القروض وتنفيد الإصلاحات المالية والنقدية وأبرز
ماجاء في هذه الأخيرة إلغاء التعامل بالريال الحسني ،وتم ربط العملة المغربية
بالعملة الفرنسية بإستحداث الفرنك المغربي .
●الإستثمارات :
كانت هي الأخرى في غالبيتها
مشكلة من رساميل فرنسية وتقسم
إلى عمومية وشبه عمومية وخاصة كانت هي الأهم .
●التجهيزات :
أقامت الحماية الفرنسية عدة تجهيزات أساسية تمثلت بالأساس في شبكة طرق وخطوط سكك حديديةوموانئ ومطارت وتجهيزات كهربائية تم الإعتماد في تشغيلها على مراكز حرارية و سدود .
و بالرغم من أهمية هذه التجهيزات
فإنها حسب ألبير عياش تبقى مجرد واجهة لتسهيل عملية الإستغلال الإستعماري والربط بين مناطق
الإنتاج الزراعي والمنجمي ومناطق
التصدير،وتسهيل حياة المعمرين ، وكذلك لمحاولة إقناع المغاربة بمنافع
الإستعمار وإيجابياته .
خصص الكاتب القسمين الثالث والرابع لعرض مظاهر الإستغلال الإستعماري والتي
شملت كل من :
-القطاع الفلاحي :
عملت سلطات الحماية على تسهيل
تمليك الأراضي المغربية للمعمرين ،حيث أنشأت مصلحة المحافظة العقارية سنة 1915
التي مكنت من تفويت
الأراضي بطرق مشبوهة ،ما نتج عنه أن أصبح المغرب عبارة عن إستيطان زراعي شمل أراضي
المخزن والكيش والجموع والأحباس ،وإستيطان زراعي خاص شمل الأراضي الخاصة عن طريق
الشراء أو الكراء أو المخالطة أو الحجز ،وبلغت مساحة هذه الأراضي المستحوذ عليها
إلى حدود سنة 1953 1017000 هكتار موزعة إلى 289000 هكتار رسمية ،و728000 هكتار
خاصة ،فيما بلغ مجموع الإستغلاليات 5903 إستغلالية،وبينما إستغل المغاربة
بقية الأراضي بطرق تقليدية فإن سلطات الحماية قد وفرت ظروف جيدة للمعمرين
تمثلث في مكافأت وقروض وإعانات لشراء التجهيزات الفلاحية والألية ،وللقيام
بإستصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء تعاونيات ،وإهتم المعمرون بشكل أساسي بالزراعات
التجارية .
-القطاع الصناعي :
تعرضت الثروات الطبيعية بالمغرب لإستغلال كثيف في ظل
نظام الحماية ،وأنشئ لهذا الغرض في سنة 1920
مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية ،على أن كبريات الشركات الأجنبية إحتكرت
عمليات التنقيب وإستخراج الثروات الطبيعية من معادن ومصادر الطاقة ، ويبقى معدن
الفوسفاط أهم معدن تم إستغلاله منذ سنة 1920 وقد ظل المغرب منذ سنة 1938 ثاني أكبر
منتج للفوسفاط في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، و يشار إلىمؤسسة
الحماية لم تهتم بإقامة صناعة تعدينية كاملة بل إكتفت فقط بإستخراج ونقل المعادن
إلى الخارج حيث يتم تحويلها،ويمكن تعميم هذه السياسة أي عدم الإهتمام بإقامة قاعدة صناعية حقيقية على
بقية الصناعات المتكونة أساسا من صناعات خفيفة كالصناعة الغذائية وصناعة النسيج،والمتمركزة أساس ابالمدن الكبرى
كالدارالبيضاء.
-القطاع التجاري :
حظي القطاع التجاري بالسبق بالمقارنة مع القطاعين الأخرين ،حيث إحتل
المرتبة الأولى في أنشطة الجالية الأروبية ،وركز بالأساس على تصدير المواد الخام
سواء الفلاحية (كالحبوب والصوف والجلود ) أو المعدنية (كالفوسفاط والفحم )وبشكل
خاص نحو فرنسا والجزائر ،أما الواردات فتمثلث في التجهيزات والمنتوجات المصنعة
والمحروقات ،وبهذا كان الميزان التجاري المغربي يشهد عجزا دائما مما كرس تبعية
المغرب وأدمج البلاد في فك الرأسمالية .
جاء القسم الخامس من الكتاب معنونا بنتائج الإستعمار ،والتي يبين فيها الكاتب أثار الإستغلال الإستعماري على المستويين الإقتصادي والإجتماعي .
-على الإقتصاد :
سلبت أراضي الفلاحين المغاربة بسبب الإستيطان الرسمي والخاص ،و فككت الملكيات
الجماعية ،وفرضت الملكيات الفردية التي تركزت بين أيدي الإستعمار والإقطاعين
المغاربة ،ورزحت فئة كبيرة من الفلاحين المغاربة تحت ثقل الضرائب وقوانين السخرة
والإستغلال من طرف القواد والشيوخ ،وهو ما إضطر بعضهم للإشتغال بضيعات المعمرين
والشركات الإستعمارية ،أو الهجرة نحو أحياء الصفيح بالمدن، بالمقابل إستغل
المعمرون والشركات الفلاحية أجود الأراضي وأدخلوا زراعات وتقنيات فلاحية غيرت
البوادي المغربية بعمق وأضرت بالفلاحة التقليدية المعيشية التي كانت أساس عيش
المغاربة ، وشكل المهاجرون من البوادي والحرفيون المفلسون بسب منافسة المنتوجات
المصنعة والمستوردة ،أيدي عاملة رخيصة ومناسبة تحولت إلى برولتاريا مستغلة بساعات
عمل طويلة وأدت كل هذه التراكمات إلى خلق سوق إستهلاكية ،يسيطر عليها التجار
الأجانب الذين هيمنوا على التجارة الداخلية بواسطة محلات على النموذج الأروبي
،وإحتكروا تجميع وتوزيع المواد المحلية والمستورة (الشاي
،السكر ،الدراجات الهوائية... )كما إحتكرت الشركات الأجنبيةالتجارة الخارجية التي
ركزت بالأساس على تصدير المواد الخام ،وإستيراد المواد المصنعة والإستهلاكية ،وأثر
كل هذا على التجار المغاربة الذين فقدوا دور الوساطة وإضطروا أحيانا إلى نقل أنشطتهم التجارية إلى
المدن الكبرى كالدار البيضاء.
على المجتمع :
حاولت الدعاية الإستعمارية إقناع المغاربة ،بأن الإستعمار كان نافعا
،وأنه سهل الإنتقال الديموغرافي ،ورفع مستوى المعيشة عن طريق حفظ الأمن وإستغلال
الثروات الطبيعية وتطوير العناية بالصحة ونشر التعليم ،إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك
،فمثلا الإصلاح الفلاحي لم يكن لصالح الفلاحين
المغاربة بل كان مجرد واجهة للإستعمار
الفلاحي وحتى التجهيزات التي أقيمت ،لم يستفد منها المغاربة ،ويبقى
المستفيد الأكبر هو المعمرون الذين شكلوا أقلية ممتازة من الناحية الإقتصادية
والإجتماعية والسياسية ،حيث سيطروا على الأنشطة الحيوية وشغلوا أهم المناصب
،وإستهلكوا أربعة أخماس الماء والكهرباء ،وإستخدموا سبعة أثمان نشاط النقل في
السكك الحديدية والطرق، ونصيبهم من الدخل
الفردي المغربي يتجاوز ضعف ما يحصل عليه فرنسيو المتروبول ففي سنة 1952 كانت حصة الأروبي تصل إلى 590000 فرنك
بالمغرب مقابل 260000 بفرنسا ،أما المغاربة فقد إزداد بؤسهم وفقرهم ،وهاجر أغلبهم
من البوادي إلى المدن حيث عاشوا في ظروف تعيسة ،خصوصا مع إرتفاع أسعار
المواد الغدائية الأساسية ،وكرست إدارة الحماية هذا الوضع بنهج سياسة التميز ضد
المغاربة ذلك أن مصالح الوقاية والصحة العمومية أقيمت من أجل الإستعمار ،وكان
دورها هو وقاية المهاجرين والمزارعين الذين أقاموا في مناطق الإستعمار الفلاحي
،وقوات الإحتلال من الأمراض (السل .الرمد...) وبلغ عدد أطر الجهاز الطبي في
سنة1952 أقل من379 طبيب أي 1طبيب لكل 20000 شخصوركزت سلطات الحماية على نشر تعليم
نخبوي موجه بالأساس للأروبين= ومطابتها
والأعيان المغاربة ،وشكل
هذا
التعلم للإستعمار وسيلة للإضطهاد الثقافي وذلك عبر منع تفتح الشخصية الوطنية والوعي بالواقع الإستعماري .
خصص ألبير عياش
القسم الأخير من الكتاب لرصد بروز وتطور المقاومة والحركة الوطنية إلى غاية إلغاء معاهدة فاس،ولعل الغرض من ذلك هو إبراز
الإنعكاسات العميقة والسلبية للإستغلال
الإستعماري الذي ساهم في نمو وعي الفئات المتضررة التي تطورت مطالبها من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالإستقلال،وفي الأخير
يمكن القول بأن كتاب المغرب
والإستعمار ، حصيلة السيطرة الفرنسيةلألبير عياش هو من
المصادرالمهمة التي تتناول الجوانب الأخرى
للإستعمار والتي لابد للباحث في هذا الموضوع من الرجوع إليه.