نص من رواية فيثاغورس رحلة حانون القرطاجي
"رواية سفر ملك القرطاجيين حانون(Hannon) إلى ما وراء أعمدة هرقل، نقش نص الرحلة على صفائح علّقت في معبد كرونوس( Cronos). {نقرأ (التقرير) نقلا عن عالم الرياضيات فيثاغورس الذي كان من بين الحاضرين مقتطفاً من الخطاب}:
" يا شعب قرطاج، أمرتم بمرسوم من قائد بحريتكم حانون أن يبحر ويسعى للقيام باكتشافات جديدة من الجانب الآخر لأعمدة هرقل وأن يؤسس عدة مؤسسات ( مستوطنات ) للقرطاجيين...، لتنفيذ هذه المهمة، وضعتم على ذمتي ستون سفينة ولكل واحدة خمسون مجدافا ،ورافق(ني) حوالي 30.000 من المواطنين من كلا الجنسين،زودوا بالأغذية وبكل المعدات اللازمة { أوامركم نـُفّذت وها أنا في هذا الحرم سأعلل الرحلة التي كنت آمرا لها. سأضع الملف بهيكل الإله ساتورن ( Saturne ) الذي حمانا من كل سوء خلال هذه الرحلة الطويلة، أبحرنا في طالع سعيد}.
بعد أن اجتزنا أعمدة هرقل، وأبحرنا لمدة يومين أسسنا المدينة الأولى التي أخذت اسم ثيمياثريون ( Thymiaterion) التي يحيط بها سهل كبير.
ثم أبحرنا نحو الغروب ،ووصلنا إلى شناخ مظلل بالكثير من الأشجار يسمى سلوييس( Cap Soleis ).
بعد أن شيدنا مذبحا لبوسيدون (Poseidon) أبحرنا شرقا لمدة نصف يوم،وصلنا على إثرها إلى سبخة ليست بعيدة عن البحر،يغطيها بوص كثيف،حيث كانت ترعى هنالك أعداد كثيرة من الفيلة وحيوانات متوحشة أخرى.المفترسة ،
أنشأنا على بعد مسافة يوم من هناك وبجوار الشاطئ مدن:كاريكون تيكوس (Caricon Teichos) وكيتا (Gytte) وأكرا (Acra) ومليتا (Melitta) وأرمبيس (Arambys).
ولما أنطلقنا من هنا ،وصلنا إلى ليكسوس ( Lixus )، وهو نهر عظيم.،ينبع من ليبيا ،وكان اللكستيون (Lixites) الرحل على ضفافه يرعون ماشيتهم، ولقد قضينا معهم مدة من الوقت إلى أن صرنا أصدقاء لهم.
ويعيش خلفهم الأثيوبيون المتوحشون ببلاد تكثر فيها الحيوانات المفترسة ،وتعزله سلاسل جبلية ،ينبع منها نهر ليكسوس ،حسب قولهم.ويبدو أنه يعيش حول هذه الجبال أناس يعرفون بسكان الكهوف(Troglodytes)،أسرع في السباق من الخيول حسب اللكستببن.......".
التقرير مقتطف من المرجع التالي:
Roget R., Le Maroc chez les auteurs anciens, Ed. Les « Belles Lettres » , Paris , 1924, p.17 – 18.
تحليل النص النموذجي
سنقوم الان بتحليل نص رحلة حانون القرطاجي
1. المقدمة:
- نوعية النص: نص أدبي )من أدب الرحلة( .نقش التقرير الأصلي للرحلة على صفائح علقت بمعبد الإله الوثني "كرونوس" بمدينة قرطاج ( يوافقه بالشمال الإفريقي الإلهان بعل حامون و ساتيرن).ضاع هذا التقرير الأصلي ووصلتنا نسخة إغريقية هي ترجمة للنص البوني ،بل تعد اختصارا له و يؤرخها المختصون حسب لغتها بأواسط القرن 4 ق.م. ووجدت نسختان منها إحداهما تحفظ اليوم بروما والثانية بلندن. نقل لنا مقتطفات من الرحلة أو علق عليها العديد من المؤلفين القدماء نخص بالذكر منهم عالم الرياضيات الإغريقي فيثاغورس ( من أعلام القرن 6 ق.م. )والموسوعي اللاتيني بلين الشيخ( من أعلام القرن 1.م. ) والخطيب الإغريقي ديون كريسطوطوم ( من أعلام القرن 1.م. وبداية 2 منه). استقينا النص من الترجمة الفرنسية للنص الإغريقي، والمؤرخة بسنة 1924.
- صاحب النص : هو الملك والقائد القرطاجي حانون ( من أعلام القرن 5 ق.م)وهو رجل الدولة الأول بقرطاج،ينتمي لأسرة الماجونيين. حكم بين سنتي 480 -440 ق.م خلفا للملك والقائد هملكار الأول. فوض له الشعب القرطاجي إنشاء مستعمرات وراء الأعمدة حوالي سنة 465 ق.م ..لا زالت الرحلة تثير العديد من الجدال بين الباحثين المعاصرين.
- تاريخ النص: يعود النص لحوالي سنة 465 ق.م
- السياق التاريخي : يرتبط النص بمرحلة أوج تطور وازدهار الإمبراطورية القرطاجية عهد أسرة الماجونيين(535 -450 ق.م. ). لقد أدرج العديد من المتخصصين قرطاج خلال القرن 5 ق.م ضمن الامبرياليات الكبرى القديمة.
2. التحليل:
الفكرة الرئيسية : رحلة حانون وراء أعمدة هرقل تنفيذا لأوامر القرطاجيين(من مجال الليبيين إلى مجال سكان الكهوف)
الأفكار الفرعية:
- تقديم: التعريف بتقرير رحلة حانون وبمصادره( من رواية سفر ملك القرطاجيين...إلى مقتطفا من الخطاب ).
- التقرير: خطاب حانون يذكر فيه امتثاله لأوامر شعبه بتنفيذ الرحلة الاستكشافية - الاستيطانية بالإبحار لما وراء أعمدة هرقل إلى حدود مجال سكان الكهوف (الفقرات السبع).
الشرح التفصيلي:
- -ملك القرطاجيين حانون: (تم تعريفه بالمقدمة)
- وراء الأعمدة : يقصد به المجال الممتد على ساحل البحر الخارجي أي مجال البحر الأطلنطي الذي يشكل جزء لا يتجزأ من قارة ليبيا وغف تسمية الكتاب القدماء.
- الأعمدة:هما عمودان وليس أعمدة كثيرة ،أحدهما يعرف ب"أبيلا" والثاني ب"كالبي" ،ينسبان للعملاق الإغريقي هرقل الذي أسندت له الأسطورة فصل الضفتين الأوربية والإفريقية عن بعضهما البعض والتمييز بينهما بالعمودين المذكورين.يوافقان عند معظم الباحثين المعاصرين منطقتي سبتة وجبل طارق.
- كرونوس (ساتورن/ بعل حامون ): كرونوس Cronos في الميثولوجيا الإغريقية وحسب الشاعر الإغريقي هيزيود (8ق.م) هو أصغر ابن لجايا ( الأرض) من زوجها أورانوس (السماء) وهو قائد التيتانيين وأب زيوس كبير آلهة الأولمب(رب الرعدوالبرق) .يعادل في الميثولوجيا الرومانية ساتورن إلاه الزراعة والحصاد ،وعند القرطاجيين بعل حامون (زوج الإلهة القرطاجية المشهورة تانيت) .
- القرطاجيون: يسمون كذلك نسبة للمدينة الجديدة (قرت حدشت) التي أنشأهاا الفينيقيون سنة 814 قم على ساحل البحر المتوسط لتكون السند الحقيقي للمستعمرات الفينيقية بحوض البحر المتوسط.أسهمت أسرة ماجون أكثر من أية أسرة أخرى قرطاجية في بناء عظمة المدينة وأخضعوا لسيطرتها إمبراطورية واسعة تشمل جزر المتوسط وبعض سواحله ،وكذلك عدة مجالات بالساحل الأطلنطي بين سنتي 535 -450 ق.م.
- تيمياثريون: تتكون الكلمة من شطرين هما : تيميا وتعني "مصب"، وثاريا وتعني "حوض" وبذلك يميل معظم الدارسين إلى المطابقة بين هذه المستعمرة الحانونية وموقع المهدية الواقع على مصب نهر سبو .
- رأس سلوييس: يوافق حاليا رأس كانتان شمال مرسى آسفي.يسمى عند الموسوعي اللاتيني بلين الشيخ برأس الشمس.
- بوسيدون (معبد): معبود محلي ( معبود ليبي أي شمال إفريقي يقابله عند الرومان إلاه البحر نيبتون.تذكر الأسطورة أنه ساعد أخاه زوس (كبير الآلهة)على محاربة العمالقة ،فمنحه السلطة على البحر.وجود معبد مخصص له برأس سولوييس يدل على قدم عبادته بأرض المغرب القديم ،فالرحالة سيلاكس المزعوم (من القرن 4 ق.م) يشير بدوره لوجود مذبح مخصص له بنفس الفضاء ، يفيد وجوده بنفس الفضاء استمرار التقرب وتقديم القرابين لهذا المعبود المحلي بمجال سيعرف فيما بعد بقدسيته .
- الفيلة وحيوانات متوحشة أخرى:عرفت الفيلة بالمغرب منذ عصور ما قبل التاريخ واستمر وجود أنواع منها حتى القرن الرابع للميلاد.لقد ذكر بلين الشيخ بأنها كانت تهدد أمن ساكنة سلا القديمة (شالة).انقرضت بسبب استعمالها في الحروب والألعاب.ظهرت إلى جانبها حيوانات متوحشة أخرى ومنها الأسود والخنازير ،وعرف المجال الممتد من الرباط إلى الصويرة في بعض المصادر القديمة بمجال الحيوانات الضارية مع العلم بأن بعضها وجدت بقاياه بشمال أو جنوب هذا المجال.
- كاريكون تيكوس : يترجم بعض الباحثين التسمية ب " الصور الكاري" نسبة للشعب الكاري المنتمي لآسيا الصغرى .ويعتقد آخرون بأنه لا علاقة بالموقع بالإغريق ،ولكنهم يذهبون مذاهب شتى في مطابقة الموقع بمدن الجديدة والصويرة وآكادير ،وإن كان جلهم يوافق بين كاريكون طيكوس ومدينة الصويرة التي لا تزال تحمل نفس الاسم "الصور"أي "السور" بتحويل السين إلى الصاد ،وتصغير التسمية إلى الصويرة.
- -كيتا : يذهب الباحثون مذاهب شتى في البحث عن هذا الموقع بين مدن شمال المغرب ومن ذلك مطابقته بكوطة والجبيلة. وفي حالة ما إذا وطنا المدن الحانونية بين المهدية وموكادور يلزم أن نبحث عن هذه المستعمرة بوسط المغرب بين القنيطرة والصويرة.
- أكرا : يختلف الباحثون في موضعة هذا الموقع. وفي حالة ما إذا اعتمدنا على دلالات المصطلح القرطاجي الذي يعني "رأس" لا يمكن أن يطابق مصطلح "أكرا"إلا مدينة الجديدة التي ركب اسميها القديمين "روزادير" أو" روتوبيس".من لفظة "رأس ".
- مليتا : وطن الباحثون هذا الموقع شمال المغرب ،واعتمدوا على بلين الشيخ الذي تحدث عن محاذاة مليسا لمدينة كوتة. في حالة ما إذا وطنا المدن الحانونية بين المهدية وموكادور يجب أن نبحث عن هذه المستعمرة بوسط المغرب بين مدينتي القنيطرة والصويرة.
- أرمبيس(ز): دل اسم هذا الموقع عند بعض الباحثين على معنى "مصب" ،بل شجعهم على مطابقته بسلا القديمة/شالة. ويعني الاسم عند آخرين " رأس العنب" / رأس كوطيس( التسمية المحلية) /أمبلوسيا ( التسمية الإغريقية )وهو رأس سبارطيل (بطنجة). ولكن غراسة العنب انتشرت بمجالات أخرى حتى وادي ماسة .وبذلك أينما موضعنا كوطة سنجعل بمحاذاتها مستعمرة أرمبيس.
- ليكسوس (نهر عظيم): يعني "ليكسوس" النهر المميز بمياه ذات حمولة غرينية "،وتجتمع هذه الخاصية بنهري اللوكوس ودرعة.ويوافق ليكسوس حانون درعة على اعتبار أن موقع ليكسوس بالشمال ونهرها كانا معروفين عند البحارة الفينيقيين منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.
- اللكستيون : سكان ضفاف نهر اللوكوس من خلال أبحاث وساكنة الجنوب المغربي من خلال دراسات أخرى .يبدو من وصفهم أنهم أكثر تحضرا من باقي ساكنة وراء الأعمدة الذين التقى بهم الرحالة حانون.
- الأثيوبيون المتوحشون: يعتبر الأثيوبيون من ساكنة قارة ليبيا . يعني اسمهم "أولئك الذين لفحت أوجههم أشعة الشمس ".هم ذوي بشرة سمراء في مقابل المور ذوي البشرة البيضاء. يصفهم الرحالة سيلاكس المزعوم بالجمال والتحضر وحسن التعامل مع التجار الفينيقيين وهو بذلك يخالف حانون الرأي .وإذا كانت جل المصادر توطن مجالاتهم خلف نهر درعة، فهناك كتابات أخرى تجعل مواطنهم قريبة من جزيرة الصويرة.
- -سكان الكهوف:وطن سكان الكهوف حول الجبال التي لن تكون إلا سلاسل الأطلس.يدل نص حانون أن اللكستيين كانوا على معرفة بهم بحيث اعتبروهم أسرع في العدو من الخيول.وللإشارة استغلت كل كهوف ومغاور المغرب للسكن للاحتماء من الحر والقر ومن أنياب الحيوانات الضارية.
3. التعليق:
تعتبر رحلة حانون من أقدم وأهم الرحلات التي استهدفت الكشف والاستيطان بسواحل المغرب الأطلسية.أثارت الكثير من النقاش بين القدماء والمعاصرين.اعتبرها الباحث الفرنسي جيروم كاركوبينو بمثابة مدن أشباح.ويمكننا أن نحصر آراء الباحثين المعاصرين في ثلاثة مواقف على النحو التالي:
- موقف أول: يشك أصحابه في صحة التقرير، فيعتبرونه "نسيجا من الأكاذيب"،بل أكبر أكذوبة في تاريخ الملاحة للعصر القديم.
- موقف ثان: يتخذ المنضوون تحت هذه المجموعة موقفا وسطا حينما يقرون بالفقرات الست الأولى من التقرير،ويؤكدون على طابعها الرسمي ،ويجعلون باقي الفقرات منتحلة أو موضوعة بجمع الناسخ للتقرير بين الأسطورة ومعطيات مصادر سابقة.
- موقف ثالث: يصدق الفريق الثالث كل ما ورد بالتقرير،ولكنهم يختلفون فيما يتعلق بالمدى الذي وصلت إليه الرحلة ،فهناك من يحصرها في المجال المغربي بين خط سبتة(أحد عمودي هرقل) - ليكسوس أو سبتة – المهدية أو سبتة –الصويرة أو سبتة - هرني (جزيرة بالصحراء المغربية(بمنطقة وادي الذهب). وهناك من ينفذ بالرحلة إلى أعماق القارة السمراء حيث دولتي السنغال أو حيث الكاميرون.
4.الخاتمة:
تعتبر رحلة حانون إحدى المصادر النفيسة التي ورثناها عن العصور القديمة ،إذ تقدم لنا معلومات قيمة عن الساحل الأطلسي بساكنته ومدنه وأوديته خلال القرن الخامس قبل الميلاد الذي يوافق قوة قرطاج وتطلعها لاستكشاف والاستيطان بمجال تقل حوله المعلومات وتتضارب.
البضاوية بلكامل، محاضرات حول تاريخ شمال إفريقيا( لفائدة طلبة الإجازة والماستر والدكتوراه ) ، منذ 1988.