تعتبر الثورة الفرنسية من أهم الاحداث التي حظيت بجدل واسع بين المؤرخين في الكتابة التاريخية كنموذج للثورات في العالم و الذي أطاح بملك على حساب جموهورية. إذ حظيت بمحط اهتمام عدد وافر من المؤرخين، وكان لكل واحد منهم رأي خاص بالثورة. و من اهم هذه الكتب هو كتاب فرونسوا دوس، قام بترجمته محمد الطاهر المنصوري بعنوان التاريخ المفتت من الحوليات إلى التاريخ الجديد الذي يقدم لنا دراسة قيمة عن مجموعة من النظريات سواء اكانت آراء مفكرين أو ادباء او مؤرخين معتمدا عن الوثائق و الشهادات، اذ يقدم قراءة نقدية و جدالية للعديد من المفاهيم. مراجعة جوزيف شريف بيت النهضة لبنان الطبعة الاولى بيروت يناير 2009.
المؤلف فرانسوا دوس استاذ التاريخ بجامعة باريس 12 ولد سنة 1950 متخصص في التاريخ الثقافي ومهتم بالتاريخ الفكري لفرنسا له بعض الاعمال من بينها le pari biographique. écrire une vie
نظريات المؤرخين للثورة الفرنسية
اولا: توجهات الثورة الفرنسية بمختلف توجهاتها
و ترى الاديبة مدام دو ستايل، بأن ما بين 1789 و 1794 حدثت قطيعة في الكتلة الثورية لأن هناك مرحلتين مرحلة الثورة الليبرالية المتوجهة إلى انجلترا عام 1789 والتي رحب بها باعتبارها حاملة للتقدم و المساوات و الحريات. و المرحلة الثانية تميزت بسلطة اليعاقبة1، أو نادي اليعاقبة. هذا التجمع الشعبي الذي خرج من رحم معاناة الشعب، فهذه السلطة. اذا جاءت بمجموعة من المطالب مثل انشاء الجمهورية ودمج السلطات في المؤتمر الوطني و اقامة دولة ديموقراطية والغاء النظام القديم وانشاء البرلمان و ادخال الدستور و فصل السلطات، ولكي تتجنب الشغب تدعوا هذه الاخيرة إلى اقامة نظام المجلسين لإيجاد توازن أمام الضغط الشعبي.
يزعم كل من فرانسوا فوريه و دنيس ريشية انهما مجددين في دراسة الثورة الفرنسية . في الجانب الاخر نجدهما يستعينان في أطروحتهما كلاسيكية الخير و الشر في الثورة الفرنسية. اذ يصور لنا فرانسوا نفسه آت من الخارج متحررا من كل روايات أبطال الثورة، لأنه كما ذكرنا يعتبرها اسطورة و يحمل على عاتقه مسؤولية تحليل الخطابات التي نفيت القطيعة الثورية . إن التحليل الذي جاء به كل من فرانسوا و لدنيس ريشيه تحليلا ايديولوجيا مطلق، علاوة على تقسيم القطعة الثورية إلى قطعتين قطعة ايجابية و الاخرى سلبية.
و يؤكد لنا احد تلاميذ فرانسوا فوريه و هو غي شوسينان بأن الجلوس و التوافق كان ممكنا عام ،1789 ويقول أن الثورة لم تكن على أي حال سوى غلطة مأساوية.
و يضع غي شوسينان صورة على طبقة نبلاء نشيطة تقف في قلب التقدم. يريد شوسينان من خلال هذه الصورة أن يقتحم هذه الطبقة، و يجعل منها بطل الثورة إن صح القول. فبنسبة إلى فرانسوا فوريه يرى أن هذه الطبقة كانت لها يد خفية تعمل من اعلى وتتقوى شيئا فشيئا.
ثانيا: الاسباب المفسر لذلك
حظيت الثورة الفرنسية اذا بجدل واسع النظير وكثرة الكتابات حول هذا الحدث البارز في تاريخ فرنسا أو بالأحرى في كل انحاء المعمورة وعمد كل مؤرخ على دراسة الثورة من منظوره الخاص معتمدا على مجموعة من الاسباب المفسرة لذلك.
يفسر فرانسوا بعد أن كتب في عام 1979 بأن الثورة الفرنسية انتهت يرى هذا الاخير أنه خلال القرن الثامن عشر كانت ثورة التنوير سلمية حققت التناسق بين النبلاء المتنورين و البرجوازيين المثقفين فهنا حدث التغيير بلا مشاحنات و تقوت الرأسمالية بدون صراع طبقي و التدخل الجماهيري. كانت هذه الاحداث اذا تصور نفسها انها بعيدة عن الجدل السياسي و منفصلة عن الفاعلين.
ويرى المناهضان للثورة الفرنسية أليكسيس دو توكفيل و اوغستان بأن قطار الثورة خرج عن مساره الذي انطلق من اجله و هو تحسين الظروف الاقتصادية و الاجتماعية. و يفسران هذا الانعطاف في الثورة بأن دينامية الاحداث التي سار عليها القطار ليست لها علاقة بالشيء السامي التي جاءت به الثورة ،و حاول أليكسيس توكفيل أن يقتلع شيء اسمه ثورة من القرن التاسع عشر. و كتب عام 1858 مقولته التي قال فيها {ما هو زائد في هذا المرض الذي هو الثورة الفرنسية شيء خاص أشعر به دون أن استطيع وصفه جيدا ولا تحليل أسبابه إنه فيروس من نوع جديد وغير معروف} ويبقى الترياق اذا هو اعادة دمج هذا الحدث في التاريخ الوطني لفرنسا.
يستشف مما سبق أن الحديث عن الثورة لازال قائما إلى اليوم ولعل الجدال الذي دارت فصوله بين المؤرخين أكبر برهان على ذلك من ابرزهم فرانسوا فوريه الذي دافع عن اطروحته ببسالة. في حين نجد أن هناك مؤرخين كان لهم رأي مخالف لفرانسوا فوريه.
التاريخ المفتت مراجعة جوزيف شريف بيت النهضة لبنان الطبعة الاولى بيروت يناير 2009.